كثير من المجتمعات ما زال يعيش في مرحلة من الجمود والخمول في الفكر والوعي، مما يجعلها عرضة للمشكلات، ففتكت بها الحروب وطغى عليها الجهل واجتاحها الفقر.

هذه المقدمة تقودنا إلى أن دور المجتمعات مهم جدا في بناء الأوطان ونهضتها، فعملية التنمية والبناء لا تقتصر على الحكومة منفردة. جوانب النهضة لمعظم المجتمعات حاليا تقوم على 3 ركائز: الدعم الحكومي، ونشاط القطاع الخاص، والعمل التطوعي.

معظمنا لا يختلف حول أن النظرة الاقتصادية المستقبلية لأي بلد تكون وفق مؤشرات الإيرادات والإنفاق ودخل الفرد والاحتياطي لتلك الدولة، إلا أن رأس المال الاجتماعي مهم جدا لنجاح النظرة المستقبلية، وذلك خلال إعداد مجتمع واعد ومسهم في تنمية ونهضة وحضارة وطن.

ومع الإصلاحات التي تشهدها المملكة العربية السعودية حاليا، فإن المجتمع السعودي أصبح يملك المقومات الأساسية لمصطلح المجتمع الفاعل في صنع النهضة، ونقصد بالمقومات الأساسية، القدرة على بناء المؤسسات والبرامج والأنشطة المجتمعية. المجتمعات التي يشار إليها بالبنان في مجال النمو والتطور، هي التي توجد بها شريحة كبيرة من المجتمع، تهتم بالشأن العام، ولديها الرغبة والقدرة على التضحية بالجهد والوقت لخدمة الفرد والوطن.

إن الانخراط في الأعمال التطوعية كان أمامه نوعان من التحديات -ظاهرة ومباشرة- وهذه تم التغلب عليها خلال فرض الأنظمة والقوانين والتشريعات من الدولة.

أما التحديات غير الظاهرة وغير المباشرة، فهذه تحتاج إلى رفع الوعي والمعرفة والخبرة للمجتمع، ليكون العمل التطوعي إحدى الأولويات الأساسية في بناء المجتمعات. إن أبرز ما يميز المجتمعات القوية ويدل على رقيّها، هو قدرتها على التضحية، وعندما تتلاشى القدرة على التضحية فإن ذلك المجتمع يصبح خاملا، ويشكل عبئا على مسيرة البناء والتنمية.

بناء الدولة الحديثة بمفهومها المعاصر يتطلب إيجاد كثير من المؤسسات والجمعيات التطوعية القادرة على الشراكة مع الدولة، لتحقيق الأهداف القيمة والطموحات الوطنية. لقد كان عدد المؤسسات التطوعية في 1990 لا يزيد على 6 آلاف جمعية على مستوى العالم، أما الآن فقد وصل العدد إلى مئات الآلاف، إيمانا بأهمية هذا الجانب في عملية تحسين الحاضر وبناء المستقبل.

في المجتمعات الغربية، هناك تشجيع كبير للعمل التطوعي خلال إلزام بعض الشركات بدفع نسبة بسيطة من الأرباح للعمل التطوعي، وكذلك تسهيل مهام الموظفين المنخرطين في أعمال تطوعية، مع قيام المشاهير وأصحاب الثروات بالتبرع بجزء كبير من ثرواتهم للعمل الخيري والتطوعي.

يُقدَّر ما يتم جمعه من العمل الخيري والتطوعي في الولايات المتحدة الأمريكية بأكثر من 250 مليار دولار سنويا، ويقدم المتطوعون بلايين الساعات من العمل الخيري المجاني، مما يجعل من العمل التطوعي -وبلا منازع- الركن الثالث بعد الحكومة والقطاع الخاص في دفع عجلة التنمية وبناء الوطن.

إن مقومات العمل الاجتماعي موجودة، لا سيما وهي إحدى ركائز ديننا الحنيف، كذلك هي أحد أهم الأهداف الأساسية للتحول الوطني، وسنرى قريبا -بإذن الله- المليون متطوع وهم يشاركون في صناعة مستقبل وطن.