أحيانا قد نحتاج بعض المحن في حياتنا لنكتشف حقيقة بعض الأمور التي كانت تغشاها الضبابية حولنا، لتنجلي بعض الشبهات. وبعد أن نرى الصورة بجودة عالية، فلنا الاختيار فيما سنختاره.

هذا المشهد يتشابه تقريبا مع ما حدث لنا مع فيروس كورونا الجديد، إذ كانت تمر علينا بعض الأفواه المتشدقة بمناصرتها جهاتٍ خارجية، تعلم أنها «حاشرة أنوفها» في كل صغيرة وكبيرة في بلادنا، وتقوم بقلب الأخبار التي تخص حكامنا لتهاجمهم إعلاميّا، لأنها «حبكت معاها» أن تدعم «الإنسانية والحرية والمساواة» في بلادنا ونسيت بلادها.

ببساطة، ظهرت بعض الدول العظمى على حقيقتها في دعم الإنسانية المزعومة، إذ تخلت عن رعاياها ووجهتهم إلى البحث عما يسدّ رمقهم من أصدقائهم أو عائلاتهم، أو حتى الجمعيات الخيرية في البلاد التي علقوا بها، وهذا أول الخيوط التي تكشفت مع هذه المحنة.

أما في المقابل، فقد أظهرت هذه الخيوط كيف يكون دعم الإنسانية، وبالتحديد في وقفة حكامنا في هذه الجائحة العالمية، إذ صدرت الأوامر بتحويل جميع قطاعات الدولة -بلا استثناء- إلى جيوش تدق طبول الحرب، للهجوم على مكافحة هذا الوباء، وكأن كل حاكم إداري، وكل وزير، وحتى كل غفير، يهتف من أرض الميدان قائلا: «فإما حياة تسر الصديق.. وإما ممات يغيظ العدى». وفي اللحظة التي يعلن فيها حكام كبار الدول حول العالم، أنهم بحاجة إلى مزيد من الدعم المالي من رجال أعمالهم، ومن عامة الشعب حتى، إلا أننا هنا نسمع أوامر بإعفاءات بمليارات الريالات لأفراد ومؤسسات، حتى لا يتأثروا بهذا الإغلاق الذي فرضته الحكومة على القطاع الحكومي والخاص. لن نطيل في هذا الجانب، فكل شيء بدأ يتضح أمام من كان يعتقد أن هناك حضنا أدفأ له من حضن وطنه، ولكن المشكلة فيمن عرف أن أحضان الوطن كأحضان الأم، لن تأتيك منها إلا الرحمة والحنان، ومع ذلك ما زال يخفي معلومات حول صحته، وما زال يسمع ويرى التوجيهات الصادرة من أعلى الجهات المسؤولة بالتعاون بـ«البقاء في البيت» فقط، وليس الخروج للجهاد، ومع ذلك يلتوي على النظام ليعود كعودة من يطعن أمه في ظهرها، بعد أن خبأته خلفها خوفا عليه من رماح الأعداء. فمثلما نستمع إلى التوجيهات الواضحة والصريحة من الجهات المسؤولة في بلادنا، بتطبيق تعليمات محددة وبسيطة، لنبقى ومن يحيط بنا بخير، نترك هذه التعليمات ونتبع ما تطلبه منا أنفسنا التي قد تأمرنا بالسوء، لنعيش كما يحلو لنا وليس كما يناسبنا، وبعد أن يصيبنا المرض نعود لنرتمي في أحضان دولتنا التي كنا نعصيها، ونعتقد أنها قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع فلان وفلان لتزيد من تعقيد حياتنا، واكتشفنا أنها لمصلحتنا أولا، والغريب أننا لم نجد من الحاكم إلا إعفاء من أفصح عن مرضه، حتى وإن كان مسافرا إلى جهة محظور إليها السفر، لنعرف مدى رحمة الحاكم.

تذكرت حينها كيف أننا نتعامل مع نواهي الحكيم -جلّ وعلا- خلال سماعنا الآيات الكريمة، على سبيل المثال لا الحصر: «وَلَا تَقرَبُوا ٱلفَوَ ٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ»، «ٱجتَنِبُوا كَثِیرا مِّنَ ٱلظَّنِّ»، «وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا یَغتَب بَّعضُكُم بَعضًا»، وللأسف، وبعد أن نعصيه، ووجدنا أننا ألقينا بأنفسنا إلى التهلكة، في تلك اللحظة، لا نتذكر إلا رحمته -سبحانه وتعالى- والتي وسعت كل شيء، ونعود نناجيه ونتضرع إليه أن يرحمنا بعد ذلك، رغم أنه حذرنا في البداية، وأبعدتنا طاعة أنفسنا عن طاعته جل في علاه.