منْعُ السفر، تعليقُ الدراسة، وقف النشاطات الرياضية، هبوط الأسهم، أزمة اقتصادية، خسائر في الأرواح والأموال، في فترة قصيرة جدا ترددت على مسامعنا كل هذه العبارات.

ما بين غمضة عين وانتباهتها

يغير الله من حالٍ إلى حالِ

هل هذه الأحداث مفاجأة؟!

هل هذه الأحداث مقدمة لدمار شامل؟!

هل هذه الأحداث علامة من علامات الساعة؟!

هل هذه الأحداث ستجعل منا مجتمعات أفضل؟!

هل هذه الأحداث مقدمة لمستقبل مشرق؟!

هل هذه الأحداث سترفع من وعينا؟!

هل هذه الأحداث ستجعلنا مستعدين لمواجهة الصعوبات بثقة؟!

هل هذه الأحداث ستجعلنا نعيد التفكير في واقعنا؟!

هل هذه الأحداث ستجعلنا على قدر من المسؤولية في التخطيط للطوارئ وتوقعها قبل حدوثها؟!

هل هذه الأحداث ستجعلنا أكثر التفافا حول دولتنا؟!

هل هذه الأحداث ستغيّرنا؟!

تحليلات للأحداث متباينة، يتناولها كل شخص من وجهة نظره، بناء على خلفيته العلمية، أيًا كان نوعها، أو بناء على خبراته السابقة، أو بناء على خلفيته النفسية، سواء كانت متفائلة أو متشائمة، ليس كل هذا مهمّا بقدر أهمية ألا ننساق وراء تحليلات أحد، فقد نسمع تحليلات اقتصادية أو سياسية أو صحية، فعلينا أن نعي أن أي تحليلٍ للأحداث إنما تقف وراءه قناعات ومعتقدات الشخص، ولسنا ملزمين بتصديقها أو الإيمان بها أو التعامل مع الأحداث وفقاً لها، فهي تبقى رأي شخصٍ مجتهد، مهما بلغ من العلم فعلم الله أوسع، وحكمته أخفى من أن يعلمها شخص بعينه.

إذن، كيف نتعامل مع هذه الأحداث؟! نتعامل معها بلا إفراط ولا تفريط، فالحذر واجب والمبالغة والتخويف وبث الرعب قلةُ وعيٍ، فإيماننا بالله أقوى من أن يزعزعه حدث طارئ، مهما بلغ من الخطورة، وعلينا أخذ الأخبار من مصادرها الرسمية الموثوقة وألا ننساق وراء الإشاعات أو نكون أداة لنشرها، وكذلك علينا التجاوب الفعّال مع التوجيهات والتحذيرات الرسمية، فنحمد الله على وجودنا في مملكتنا الغالية التي تحرص كل الحرص على سلامة مواطنيها، وتبذل الغالي والنفيس للوصول بنا إلى أقصى درجات الأمان.

إن كنت خائفا، فليس هذا غريبا وليس عيبا، فتسارع الأحداث قد يدعو إلى الخوف ولكن لا تبالغ واعتبرها فرصةً تتخلص فيها من مخاوفك، وتتغلب على أفكارك التي تثير هذه المخاوف، وتستبدلها بأفكار الفأل التي كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يحبها، ولتعلم أن أفكارك تؤثر مباشرة في مشاعرك فتزيدها خوفا أو طمأنينة. أعرفُ -بالتأكيد- أن التحكم في الأفكار وضبط المشاعر أمرٌ ليس هينا ولكنه ممكن، فقط عليك مراقبة أفكارك واستبدالها بأفكار إيجابية تدعم مشاعر الطمأنينة لديك، أما إن كنت تأخذ هذه الأحداث بلا مبالاة، ودون اهتمام، فأيضا كن واعيا ولا تسفّه الأمر وترمي بنفسك إلى التهلكة، وتكتفي بقول: «القدر مكتوب ولن يصيبني إلا ما كتب الله لي»، فالآية الكريمة: «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»، الواضح فيها أن هناك من يرمي بنفسه في المهالك، وهو وحده المسؤول عن ذلك، وليس للقدر علاقة، فالله -سبحانه وتعالى- قد ترك لك الخيار في اتباع طريق الخير أو الشر.

إذن، كن وسطا بين الخوف واللامبالاة، كن حذرا بتعقّل، متوازنا في التعاطي مع الأحداث، تقدر الأمور بوعي متزن.

نحمد الله أن جعلنا في بلد يعتني بمواطنيه، يجعل لهم الأولوية في الاهتمام، فلنكن مع الدولة في مواجهة هذه الأحداث بإيجابية، فنسعى إلى إنجاح التعليم عن بعد، بتفعيل منصات التعليم الفضائية والإلكترونية، فلعل هذه الأحداث فرصة لنخوض تجربة التعليم الإلكتروني، ونستفيد منه.

بالتأكيد، إن هذه التجربة ستحدث نقلة نوعية في التعليم، فلنكن شركاء في دعمها وإنجاحها؛ ولنسهم في رفع الوعي الصحي باتباع التعليمات، والحرص على رفع المناعة لدينا ولدى أبنائنا، فلعل هذه الأحداث تحدث نقلة نوعية في ممارساتنا الغذائية والصحية، فنبتعد عن الوجبات السريعة، وتتحول عاداتنا الغذائية السيئة إلى ممارسات صحية واعية. ولعل هذه الأحداث جرس إنذار يقول لنا كيف استعدادكم للتعامل مع الأزمات؟ هل خططتم؟ هل تهيأتم؟ هل لديكم استعدادات كافية لمواجهة الأزمات؟.

هذه فرصتنا في تأمل الأوضاع والتخطيط للمستقبل، في توقع الأزمات قبل حلولها، في صناعة المرونة التي تحولنا للتعامل سريعا مع أي طارئ بكل يسر وسهولة.

أتمنى أن يكون كورونا سببا في تغييرنا للأفضل.