كتب طبيب أمريكي في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي خلال أزمة كورونا متألما، (لن أنسى أبدا الكلمات الأخيرة لأحد المرضى عندما أخبرناه بأنه بحاجة لجهاز التنفس الصناعي «من الذي سيتحمل التكاليف؟»). حتى في اللحظات التي يودع هذا الإنسان فيها الحياة، لأن المرضى غالبا لا يتعافون من كورونا بعد وضعهم على التنفس الاصطناعي، احتلت المادة تفكير الإنسان رغما عنه، فأطبق همّ التكلفة المادية لعلاجه على صدره حتى في لحظاته الأخيرة.

وكأني بهذا المريض وقد وقع بين مطرقة الشفاء ومطالبته بسداد مصاريف المستشفى، وسندان الموت وانشغال أهله عن الحزن عليه بتسديد ديونه الصحية للدولة. لا أعرف على وجه التحديد ما الذي كان يدور في رأس هذا الراحل، لكني أعرف أن رعونة الإنسان لا تصمد أمام الخوف والمرض، وأولوياته الحقيقية تظهرها الشدة والابتلاءات، وعلى الرغم من فظاعة هذه القصة إلا أنها تجعلنا نشكر الله ما حيينا على انتمائنا لوطن يقدِّم الإنسان على المادة والأشياء. يرى المراقبون للأحداث منذ بدء الأزمة كيف عالجت كل دولة تداعيات كورونا بطريقتها الخاصة، هناك من أنكر الحقائق حتى بدأت الأمور تخرج عن السيطرة قبل أن يتدارك الموقف ويحاول إنقاذ نفسه ومواطنيه، وهناك من آثر إبقاء الفضاء الاجتماعي مفتوحا في محاولة لإنقاذ الاقتصاد، بدون أن يفكر مليا كما يبدو في الخسائر البشرية ولا يعود لرشده إلا تحت ضغط الشارع، وهناك قائمة شرف لهذه الأزمة، يعلوها اسم المملكة العربية السعودية، حيث تتصدر صحة الإنسان وسلامته المشهد العام، وتتضافر كل الجهود لتحقيق هذه الغاية، فتغلق الحدود، والمساجد حتى الحرمين الشريفين، ويتحول الجميع للعمل والتعليم والتواصل عن بعد، ويفرض الحجر المنزلي الكامل وشبه الكامل على كل المناطق، بل ويحدث كل هذا بدون أن يتأثر دخل المواطن أو ميزانيته، وبدون أن يسرح العاملون والعاملات من وظائفهم. ثم تتوالى البشائر على أبناء هذا الوطن بخبر تحمل الدولة لتعويض شهري بنسبة 60% لأكثر من 1.6 مليون مواطن سعودي في القطاع الخاص بقيمة 6 مليارات، مع استمرار التطمينات من الوزارات والجهات المعنية باستتباب الأمن، وتوفر الغذاء والتأكد من وصول الدواء للمرضى عبر الصيدلية الأقرب لهم مجانا، بل إن غيمة الخير وخيمة الكرامة السعودية شملت كل المقيمين في أرضها بالعلاج المجاني، حتى المخالفين منهم لنظام الإقامة، فالحمد لله دوما وأبدا على نعمة الانتماء لهذا الوطن، فاحفظوه في عيونكم واخدموه بقلوبكم، وادعوا له ولقادته ما حييتم بالأمن والتأييد والتسديد، لأنه يستحق ذلك وأكثر بالتجربة والشواهد! ولا أجد خاتمة أفضل لهذا المقال من هذه الحقيقة التي سطرها الراحل الكبير غازي القصيبي:

نفط يقول الناس عن وطني..

ما أنصفوا وطني.. وطني هو المجد.