رغم أني كنت وغيري بمحاجر صحية تابعة لوزارة الصحة، وجدنا فيها من الرعاية والرفاهية والإيثار ما تمتعنا بها كمواطنين سعوديين ومقيمين، مالم تمنحه دول كثيرة لمواطنيها، محاجر حرصت دولتنا حفظها الله على تقديم كافة سبل الراحة فيها مع العناية الطبية المتمكنة، إلا أني بعد أن خرجت عرفت قيمة بيتي وأسرتي الذين كنت أحبهم قبل الحجر وأصبحت أعشقهم بعده.

هذه الأزمة علمتني وأعتقد كثيرون غيري، أننا لم نعطِ النعم التي كنا نعيشها حقها من الانتباه، وبالتالي لم نحمد الله ونشكره عليها كما يجب. كنا نتذمر من بيوتنا أحيانا ونصاب بالملل من أبنائنا وإزعاجاتهم أحيانا أخرى، ونبحث عن أسباب تبرر لنا صرف الوقت بعيداً عن الأسرة وحضنها، وهذا كان خطأ لم ندرك خطره إلا مع جائحة كورونا.

ما حفزني على كتابة هذا المقال هو ما استفزني من مقاطع وصور وتعليقات صورت الحجر على أنه سجن منزلي اضطررنا فيه لمرافقة أشخاص قريبين جداً، لكن بعلاقة بيننا وبينهم تتسم بتنافر المشاعر.

قد نضحك على ما نسمع ونشاهد؛ لأنها مواد قُدمت بطريقة كوميدية لا ننكر أنها تضحكنا. - أحياناً - ولكن لو كشفنا الستار عما وراء المشهد الكوميدي لوجدنا أنها مشاعر سلبية وأفكار سوداء تنثر على مواقع التواصل بتغليفة براقة من كوميديا رمادية اللون، لها تأثير سلبي جدا يساهم بطرق غير مباشرة بتفكك الروابط الأسرية من خلال تغذية العقل الباطن بفكرة أن بقاء الزوج في البيت يشكل عبئا على الزوجة، ومرافقة الزوجة لمدة طويلة في المنزل تخنق الرجل، ووجود الأبناء مع تصرفاتهم الفطرية تثير براكين العصبية عند الوالدين.

لماذا؟!

أليس من الأجدى أن تقربنا هذه الأزمة ممن نحب، وتجعلنا نذيب أسمنت الحواجز التي بنتها ظروف الحياة بغزارة المشاعر والحب والاحتواء التي كان من المفترض أن تكون هي السائدة هذا الوقت!.

ألا ترون معي أن فترة الحجر هدية من الله منحتنا استراحة محارب من صخب الحياة ومشاغلها، لنقترب داخل بيوتنا من بعضنا أكثر، نتفقد دواخل من نحبهم، ونعيد ربط حبال الحب والتفاهم، لنخرج من هذه الجائحة بأساسات متينة من علاقات أسرية هي الأهم لبناء شعوب تراهن عليها الأوطان بنسيج اجتماعي متين بأخلاقه وثقته بنفسه وعطائه وحبه لذاته ومجتمعه ووطنه، فمن لم يتربَ على الحب والاحترام لن يكون قادراً على منحهما.

جائحة كورونا تتطلب منا الكثير لنجتازها باقتدار على كل الأصعدة، والصعيد الاجتماعي أحد أطرافها الهامة جداً.

#كلنا_مسؤول بالالتزام بمسافة آمنة من التباعد حتى نضمن السلامة من العدوى.

في الوقت نفسه #كلنا_مسؤول بالمحافظة على مسافات متقاربة جدا بين القلوب والالتصاق المباشر بين الأرواح، كي لا نصاب بجفاف العواطف أو اعتياديتها التي ستحول بيوتنا إلى مساكن من ثلج بصقيع تتمنى معه دفء العاطفة.