نعم إنها جائحة، قد اجتاحت العالم بأسره، ولكن بالمقابل هنالك صف دفاع ومواجهة يعمل أربعا وعشرين على أربع وعشرين ساعة، أي على مدار الأيام والأسابيع والتي تمتد الآن إلى الشهور، إنه صف دفاع يقف بكل شجاعة وتضحية على الرغم من المصاعب والمخاطر الصحية، يستمر هؤلاء الأبطال في التواجد على الخطوط الأمامية لأداء وظائفهم، منهم منسوبو الرعاية الصحية من أطباء وممرضين وصيادلة وفنيين وفرق طوارئ وعمال تنظيف المشافي، ومنهم من يعمل في متاجر الغذاء والتوصيل، ومنهم من يقوم بتنظيف الطرقات والأحياء، ومنهم من يجوب الأحياء والشوارع والطرقات لكي يحافظ على الأمن والاستقرار وتأكيد قرارات الحظر كرجال الشرطة والأمن، ومنهم من هو على أهبة الاستعداد لحماية السكان والممتلكات العامة والخاصة من أخطار الحريق والكوارث كرجال الدفاع المدني، وخلف كل ذلك جهاز إداري جبار يدير كل ذلك من غرف العمليات الخاصة بالدولة تتابع بكل دقة وحرص واهتمام من قائد البلاد الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان -يحفظهما الله- للحفاظ على سلامتنا، ويحفظ الله -سبحانه وتعالى- جميع أبطالنا على الجبهات الداخلية من كل سوء.

في الوقت الحالي وفي الخطوط الأمامية لمحاربة مرض فيروس التاجي الجديد (COVID-19) والذي ينتشر في جميع أنحاء العالم، إنهم يتأرجحون ما بين الإجهاد والإرهاق والخوف وتجدد الأمل... ربما بهذه الكلمات نستطيع أن نلخص الوضع الحالي لأبطالنا على الجبهات الداخلية، ففي مثل هذه الأوقات تكون «الإنسانية» في الخط الأمامي، وهم قد أثبتوا بالفعل لا بالشعارات والمقاطع الفارغة أنهم أفضل من يجسدها، لم تعد الساحة لمن يسخر من عقولنا ويستولي على أوقاتنا، وربما على شيء من أخلاقياتنا، الساحة الآن لمن يعرضون حياتهم للخطر من أجلنا وهم في حالة إجهاد مفرط.

لا أتحدث عن خيارات هنا، فالقوة ليست خيارا اليوم، إنه الواجب والإنسانية، القوة التي يمدوننا بها كما يستمدونها منا، وهنا يكمن دورنا بأن نكون الجبهة الخلفية التي تقدم الدعم والسند، وأن نقف أقوياء ولا ننهار وسط العاصفة! ننشر الوعي كما ننشر الأمل، فهما صنوان لا يمكن أن تقدم الأول دون تفعيل الآخر.

لقد أربك هذا الكابوس العالم بأسره، ودفع به إلى حالة من التشوش، مما تسبب في انتشار الخوف بين الناس. لن نقف مكتوفي الأيدي أو نستسلم، فهذا ليس خيارا، من منا لا يمر بأوقات عصيبة من ترقب وانتظار، من منا لا يعيش ساعات شوق ولهفة إلى لَمّة الأهل والأحباب؟ من منا لم يفكر بالنعم التي كانت بين يديه وكان لا يفكر بها أو يعيرها أي اهتمام، واليوم باتت من الأحلام والتمنيات؟ من منا لا يتذمر من الانحباس والاختناق؟ ولكننا على الأقل، وفي خضم كل ذلك نشعر ونحن في رفاهية التواجد في الحجر الصحي في منازلنا، بينما هنالك رجال ونساء يحملون أرواحهم على أكفّهم من أجل مستقبلنا ومستقبل أبنائنا، من أجل مستقبل وصحة وأمن وأمان الوطن، ليس لأنهم مجبورون، بل لأنهم اختاروا واستمروا في مواقعهم ولم يتراجعوا أو يتهربوا من المسؤولية، لماذا؟ لأن هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون.

سوف يمر بعض الوقت قبل أن تعود الأمور إلى حالتها الطبيعية، وقد يتغير كثير من الأمور التي كنا معتادين عليها، حتى طرق تفكيرنا وسلوكياتنا سوف تتأثر، وسوف يتوجب علينا التأقلم والتكيف مع العالم الجديد، ولكن المطلوب منا في هذه الأثناء، المأمول منا في هذه الأثناء، بل المتوقع منا في هذه الأثناء، هو القيام بدورنا، وهو البقاء في المنزل، والمساعدة في التغلب على هذه المحنة وإعادتها إلى النسب الصفرية، لئلا تعود وتظهر على شاشاتنا أي أعداد لإصابات جديدة بإذنه تعالى، ولنكن على أتم الاستعداد لتقديم المساعدة لهم عندما يأتي الوقت، لأنهم سيحتاجون إلى دعمنا عندما ينتهي هذا الأمر أكثر من أي وقت مضى، سيخرجون وقد أنهكت قواهم من هذه المحنة، فمن غيرنا سوف يمد الأيدي ليتلقفهم ويساعدهم على العودة إلى كامل قواهم، هم اليوم على الجبهات من أجلكم، فابقوا في منازلكم من أجلهم، ولا تكونوا أرقاما جديدة تضاف إلى حملهم، دع المخاطرة لهم ففيها الحياة، واترك المخاطرة عنك ففيها أذىً وتعدٍّ على حق الغير بالحياة.