تحدث وزير المالية الأستاذ محمد الجدعان إلى قناة العربية، في الثاني من مايو الحالي، عن أثر جائحة كورونا على كل من الاقتصاد والمالية العامة للسعودية، شأنها شأن بقية دول العالم، ممن مسها الضر جراء هذا الفيروس المرعب!

كان الوزير خلال حديثه التلفزيوني القصير صريحا وشفافا في شأن الوضع المالي والاقتصادي المزامن لهذه الجائحة، وكذلك الذي سيعقبها، مع تفاؤله وثقته بأن الاقتصاد السعودي سيعبر هذه الأزمة بسلام، مثلما عبر أزمات وجوائح أخرى في الماضي، على الرغم من ثقل جائحة كورونا على الاقتصاد المحلي والعالمي، مقارنة بما سبقها.

ربما لا تسمح مساحة هذا المقال لتحليل وقراءة كل ما جاء في حديث الوزير، ولهذا، سأخصص المساحة المتاحة للحديث عن بعض النقاط التي تطرق إليها في حديثه عما سيُتخذ من إجراءات لتقليص مصروفات الميزانية، لمواجهة الأزمة الحالية.

أشار الوزير في حديثه إلى أن النية تتجه إلى تقليص بعض مصروفات الميزانية، وأنه سيُعمد إلى اختيار المشاريع والاعتمادات الأقل ضررا، والأكثر أثرا لصالح الاقتصاد، والمواطنين، والخدمات الأساسية التي تقدمها الحكومة، وإلى أن التخفيض سيشمل «مشاريع كبرى، وبعض برامج تحقيق الرؤية، ومصاريف السفر والانتدابات وخلافها»، إضافة إلى النظر في بنود أخرى، ما دامت لا تمس الخدمات الأساسية للمواطنين.

حقيقة لو نظرنا إلى جانب واحد فقط من جوانب مصروفات الميزانية، وهو جانب (تعويضات العاملين) بشتى اعتماداته، لوجدنا أن تلك التعويضات بلغت فعليا في ميزانية 2019 نحو 504 مليارات، أي بنسبة 48 % من مجموع مصروفات الميزانية، بزيادة قدرها 48 مليار ريال عما كان مقدرا له في بداية تلك الميزانية. في حين كانت التوقعات تشير عند صدور ميزانية 2020 الحالية إلى أن تكون مصروفات تعويضات العاملين بنفس النسبة، أو ربما تزيد إلى 49 % من إجمالي المصروفات.

وهنا أقول إن تقليص حجم تعويضات العاملين، خاصة تلك التعويضات التي لا تقابلها قيم مضافة حقيقية، بات أمرا ملحا في ظل هذه الجائحة التي تضرب في خاصرة الاقتصاد العالمي، وتضطره إلى سلوك سبيل تقليص ما يمكن تقليصه من مصروفات الميزانية لمقابلة تداعياتها.

من الجدير بالذكر هنا، أني لا أقصد الرواتب العمومية، وبدلات النقل المصاحبة لها، في حديثي عن تعويضات العاملين التي أرى مناسبة تقليصها، وإنما أقصد بدلات ومكافآت متعددة، خاصة منها تلك البدلات المصاحبة لبعض لوائح التشغيل والهيئات، والتي أُنْشِئتْ في ظرف كان لها ما يبررها، أما اليوم، فلم يعد يقابلها إنتاج حقيقي يبرر استمرارها. وهذه البدلات ليست قليلة، بل إنها تمثل عبئا ضخما على مصروفات الميزانية، كما أني لا أعتقد أني بحاجة إلى ذكرها، أو حتى التمثيل لها، فمسؤولو وزارة المالية يعرفونها جيدا. وإني لأعتقد أن الوقت قد حان لإعادة النظر فيها، حتى لو لم تكن جائحة كورونا قد اضطرتنا إلى ذلك.