انتقل إلى جوار ربه الكريم، مساء الإثنين 25 رمضان 1441 الموافق 18 مايو 2020 بمدينة جدة، رجل الأعمال النبيل الشيخ صالح كامل -رحمه الله- وهو في صلاة التراويح، إثر تعرضه لجلطة قلبية، وفارق الحياة على إثرها في المستشفى الذي نقل إليه عن عمر ناهز الثمانين عاما. وُلد ونشأ في مكة المكرمة، وتخرج في جامعة الملك سعود، واقتحم مجال التجارة والمقاولات، وهنا اقتنع باجتناب الربا، وبحث عن الحلول فتوجه إلى العلماء وللاقتصاد الإسلامي، واقتنع به وأحبه وعشقه، وحمل رسالته ميدانيا، ورعى لذلك البحث الاقتصادي الإسلامي، وأقام مراكز في عدد من الجامعات للاقتصاد الإسلامي. والفقيد -رحمه الله- بحق هو من روّاد الاقتصاد الإسلامي العملي الميداني، وذلك منذ بداية السبعينات من القرن العشرين، وقد أثمرت جهوده مع ثلة من الرواد عن قيام المصرفية الإسلامية والمالية الإسلامية، ونهج لذلك سبلا عدة منها إقامة بنوك البركة، وكذلك إقامته ندوة البركة الاقتصادية سنويا، منذ عام 1400 هجرية، يحشد لها أصحاب الفضيلة الفقهاء المختصين في المعاملات الإسلامية، مع الاقتصاديين المهتمين بالاقتصاد الإسلامي، ومع خبراء عالميين، ويقيم قبل كل دورة سنوية ورش عمل متخصصة. وقبل أيام قليلة، عقدت ندوة دلة البركة الأربعون، في بث افتراضي من المنازل، بحضور أصحاب الفضيلة الفقهاء والمهتمين بالاقتصاد الإسلامي لمعالجة آثار جائحة كورونا، وذلك برعايته وحضوره تحت عنوان «وضع الجوائح والقوة القاهرة»، وذلك يوم السبت 16 رمضان 1441 الموافق 9 مايو 2020، وقد شاركتُ في حضورها واستفدت منها جدا، وختمت جلساتها بعد عصر الأحد بجلسة مهمة كانت بعنوان «عقود الإجارة وعقود العمل وحجوزات الفنادق والسفر والشحن». وألقى في ختامها -رحمه الله- كلمة وداعية شكر فيها السادة الفقهاء على جهودهم الاجتهادية، وحث في كلمته على استمرار إقامة ندوة البركة الاقتصادية من بعده، لتستمر رسالة تقويم وتأصيل الاقتصاد الإسلامي، ثم لوّح بيده أمام الكاميرا، مودعا الجميع «رحمه الله». وهو -رحمه الله- صاحب فكرة الإعلام الإسلامي، حين تقدم في أواخر التسعينات من القرن العشرين لإقامة محطة فضائية إسلامية غير مسبوقة، تحقق متعة الإعلام الهادف، والتي عرفت باسم «قناة اقرأ الفضائية»، مع أخي الكبير رائد الإعلام الإسلامي المرحوم الدكتور عبدالقادر طاش «رحمهما الله»، وأول برنامج اعتمده للقناة -رحمه الله- هو برنامجي الشهي «كيف نقرأ القرآن»، وأتاح لي فيها -منذ تأسيسها- تقديم برامج فضائية عدة، ولا أنسى كلمته لي مرات أنه «لن يتخلى عن قناة اقرأ بأي حال، وهي مما يدخره عند الله تبارك وتعالى». كما أسس وقف «اقرأ» لرعاية الفقراء والمحتاجين طوال العام، وتبنى فيه نبغاء من الشباب لمتابعة تحصيلهم العلمي. عرفناه طيب الخلق قوي الشخصية حاد الذكاء، يمتلك قدرة فائقة على الابتكار، وعزما حديديا، وروح المبادرة والريادة، وشجاعة النقد والتقويم الذاتي، وتجلى هذا في نقده التقويمي المستمر لمسيرة الاقتصاد الإسلامي المعاصر. وكان عظيم البر لوالديه وخدمتهما، رحمه الله، يجلّ العلماء والصالحين، ويبذل جاهه لحل المشكلات والشفاعة الحسنة. تغمّد الله فقيدنا الشيخ صالح كامل بواسع رحمته ومغفرته، وأسكنه فسيح جناته، وألهمنا وذويه ومحبيه الصبر والسلوان. أتقدم بخالص العزاء لأبنائه، إخوتي الأعزاء الأستاذ عبدالله كامل والأستاذ محي الدين كامل، ولشقيقاته وأبنائهم وأبناء أشقائه، ولكل آل كامل الكرام، ولكل أقربائه ومحبيه، وللمهتمين بالاقتصاد الإسلامي. إنا لله وإنا اليه راجعون.