في مقطع انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، مع بداية الحجر المنزلي، تظهر أم تخاطب ابنتها وتقوم بتصوير (دجاجة وضعت في الخلاط)، «خلاط الفواكه والخضراوات»، وتسأل ابنتها بأسلوب تهكمي عن سبب فعلتها هذه، وتظهر ضحكات الفتاة وكأنها تعلم أنها «جابت العيد». هذا المقطع قد يكون للضحك فقط، وقد تكون الأم وابنتها «نشمية بنت نشمية»، ولكن هل افتقدنا في بيوتنا فعليا كلمة «نشمية وراعية بيت»، «راعية بيت» بكل ما تعنيه من وصف أن تقوم على رعاية البيت بمن فيه، ولو «استعر» هذا الجيل من هذا المسمى، فهذا لايعني أن الصح فيما لم «يستعروا» منه.

فعلى ما أذكر أنه كان هناك مادة تسمى (التدبير المنزلي)، وكانت تدرس لفتيات أصبحن الآن بمرتبة «ربات أسرة»، ولكن أين ذهبت مخرجات تلك المادة، بل وأين ذهبت هذه المادة من أساسها؟ فعلى ما أظن أنه تم استبدالها بمادة (التربية الأسرية)، وكأننا متخصصون جدا في شؤون منازلنا لدرجة أن طالباتنا دقيقات اصطلاحيا ليفرقن بين التدبير المنزلي والتربية الأسرية، على الرغم من أن المادتين في ظاهرهما مختلفتان تفصيليا لكن في بواطنهما أن التربية الأسرية السليمة من الوالدة والمربية، هي ما تجعل ابنتها ذات (تدبير) لمنزلها مهما كان وضع الزوج، وهذا ما نفتقده حاليا.

فبمجرد أن تمسك فتاة بجوال يخرج من زواياه من ثلاث إلى أربع كاميرات «عند الطيحة»، وأمها تمسك بجوال صرفت عليه من ثلاثة إلى أربعة أضعاف مرتب خادمتها المنزلية، وهن لسن «حريم السلطان» بل زوجها «موقفة خدماته» بسبب عدم قدرته على الوفاء بالمبالغ التي اشترى بها «تلك الكاميرات» وما في حكمها من سفاسف التفاصيل التي أجبر على دفع قيمتها لأن فلانة اشترتها ولكن لا تستطيع فلانة ولا حتى «علانة» أن تنشئ لها حسابا خاصا حتى في الـ TIK TOK بنفسها، وكأن الوضع أشبه بأن تمتلك عجوزا طريحة الفراش (سيارة سباق فورمولا) بجميع تقنياتها، فقط لأن جارتها العجوز كذلك تمتلك واحدة، وياليت الفورمولا والجوال لا تصنع إلا لمن لديه القدرة على الاستفادة من تقنياتها وتقنياته.

فكيف ستقوم هذه الفتاة التي همش لها دور (التدبير المنزلي) والذي يقوم على (التدبير المالي والاقتصادي المنزلي)، بتربية أسرتها وزرع ذلك فيهم، وكيف ستكون قادرة على ذلك، ولم تخبرها أمها أن سيدات يقدن العالم بما فيه من مصانع للجوالات «أبو كاميرات» كالمستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) يعملن بعد دوامهن بعملهن الأساسي وهو «راعية بيت»، «تتقضى له وتطبخ وتنفخ فيه».

ولكن يبدو أن التحضر المفاجئ بعيدا عن معرفة أركانه الأساسية التي يقف عليها ليستمر، سيجعلنا نصنع «راعيات بيوت» تم وضع قدراتهن الجبارة في (تدبير المنازل) في خلاط أعاصير العولمة بلا وعي بها، لنهدم أهم أركان المجتمع المتحضر، لنكتشف أننا من وضع (الدجاج في الخلاط).