جرت العادة على سنن ملوكنا -رحمهم الله- أن كل ملك يواجه في عهده تحديات عصره، إما أن تكون من الداخل أو الخارج، وبفضل حكمتهم وصدق نيتهم يتساقط أعداؤهم كما تتساقط الحشرات على الضوء، ويجتازون مرحلة التحدي بامتياز وجبين ناصع البياض، يُدوّن على صفحات تاريخ الأمم.

إلا أن عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- تميّز بمرحلة التحدي الأعنف على الإطلاق، وذلك لما يتميز به العصر الرقمي بجميع أدواته، فضلا عن تطور الإعلام الحديث والبيولوجي، ومع كل هذا الكمّ من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، والصراعات السياسية والحروب الإقليمية، كان لا بد للمملكة العربية السعودية أن تجد مكانتها الطبيعة كما كانت بين الدول، لكن في قالب التطور العصري.

ورغم صعوبة المرحلة، وفّق الله مولاي خادم الحرمين الشريفين، لفحص كنانته واختيار أشدّها وأصلبها عوداً، وطرح اسم الأمير محمد بن سلمان على هيئة البيعة الموقرة لاختياره لولاية العهد، وفاز اسمه بالغالبية، وبويع بولاية العهد في مكة المكرمة بالمسجد الحرام، في ليلة قدرية مباركة، ليلة 27 رمضان، وحظى بفرحة شعبية عارمة، ومخاوف الأعداء منه.

أسند الملك -حفظه الله- الملفات الصعبة إليه، وكان سموه كفؤا لحلها، فقد قاد المملكة السعودية لقفزات غير اعتيادية، راهن فيها على همة شعبه

ابتداء بهندسة رؤية المملكة 2030، لإيجاد مصادر غير النفط، ولخلق طفرة عمرانية وزراعية وصناعية وسياحية.

أيقن أن الفساد المالي والإداري قد بلغ أشده وحان وقت قطافه، وأن الدول المتقدمة لا تنمو إلا بالقضاء على الفساد، فانقض بخطوة جرئية لم تكن معهودة ولم تكن متوقعة، وشنّ حملة الإصلاح ومكافحة الفساد، وكان واضحًا لشعبه، وقال كلمته الشهيرة: «من تورط في قضايا فساد لن ينجو أحد، سوا أمير أو وزير».

رأى هذا الأمير الشاب أن الدول القوية هي من تعتمد على صناعاتها العسكرية، فسارع بإنشاء الشركة السعودية للصناعات العسكرية، حتى إنه تدخل في اختيار مجلس إدارتها بعناية ودقه فائقة، وفق الكفاءات السعودية.

ولم ينس دور المرأة وأهميتها في بناء المجتمعات المتحضرة، فكان لا بد من منحها حقوقها وتمكينها من أداء رسالتها ودورها الوطني. ولم يغفل الجانب الاقتصادي فعمد إلى تطوير وتأهيل صندوق الاستثمارات العامة، ليصبح أكبر صندوق سيادي عالمي.

وقبل أيام من هذا المقال، برز دور وحنكة وبُعد نظر القائمين عليه بالاستثمار في زمن كورونا، واستحواذه على أسهم الشركات العالمية المتضررة من الجائحة. لذلك نقولها بصوت عال: محمد بن سلمان نعمة ساقها لله لوطننا، تستحق الشكر، ويستحق منا الدعاء له في السر والعلن والمؤازرة.

وفي الختام، نقول له كما قالت الأنصار لنبينا محمد، صلى الله عليه وسلم ولله،

«لو خضت بنا البحر لخضناه ما تخلف منا رجل».