اتهمت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشال باشليه مقاتلين في سورية بينهم تنظيم داعش الإرهابي باستغلال جائحة كورونا الجديد لشن هجمات على المدنيين. وقالت في بيان إن «أطرافا عدة مشاركة في النزاع في سورية بما في ذلك داعش، تستغل على ما يبدو تركيز اهتمام العالم على وباء كوفيد - 19 لتعيد تجمعها وممارسة أعمال عنف ضد السكان»، معتبرة ذلك «قنبلة موقوتة لا يمكن تجاهلها». وفي ذات السياق أكدت صحيفة «واشنطن بوست» أنه على الرغم من أن داعش أضعف بكثير مما كان عليه في عام 2014، إلا أنه بات الآن يجد أن من السهل العمل لأن بعض أفراد قوات الأمن العراقية انسحبوا من المناطق الريفية، حيث تتصاعد قوة التنظيم، وتم نشرهم في المدن للمساعدة في فرض إجراءات الإغلاق التي فرضتها الجائحة. وتنقل الصحيفة عن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي القول، إن «كورونا عامل مهم، فبعض الجنود ليسوا في الخدمة الفعلية، كما أن بعض العمليات ضد داعش توقفت، لذلك فهم يستغلون ذلك للتحرك والهجوم». وتطرقت الصحيفة إلى الهجمات الأخيرة التي نفذها تنظيم داعش قرب كركوك وبغداد وصلاح الدين، وركزت على الهجوم الذي وقع قرب مكيشيفة الذي وصفته بأنه كمين نفذ في وقت كانت فيه قوات الشرطة الاتحادية، التي تتمركز عادة في المنطقة، غائبة نتيجة إعادة نشرها في مكان آخر لفرض إجراءات الحظر.

استغلال للجائحة

أفاد تقرير لصحيفة «الجارديان» البريطانية، أن داعش يحاول استغلال جائحة كورونا لشن مزيد من الهجمات وتحريك خلاياه النائمة في العراق وسورية ومناطق أخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وذكر التقرير أنه وعلى الرغم من عدم سيطرة التنظيم الإرهابي على أي بقعة، لكنه ما زال يمتلك شبكة واسعة من خطوط الدعم وقنوات الاتصال عبر الأراضي الشاسعة بين العراق وسورية، حيث يمكن أن يكون هناك ما بين 20 و 30 ألفا من عناصره ما يزالون نشطين في المنطقة.

وأضاف أنه «من صحراء البادية السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات ومحافظة دير الزور شرقا، ومن ثم إلى عمق الأغلبية السنية في وسط العراق، تحتفظ خلافة داعش المهزومة بشبكات من الخلايا النائمة تحت السلطة الإسمية لثلاث إدارات (نظام الأسد والمجلس الديمقراطي السوري بقيادة كردية والحكومة العراقية)، ومع انشغال هذه الإدارات الثلاث بالوباء الحالي، فإن تنظيم داعش يحاول التحرك حيث حدث ارتفاع حاد في نشاطه عبر هذه المساحة على مدى الأسبوعين الماضيين.

منطقة واسعة

تابع تقرير «الجارديان» أن «الزيادة في نشاط داعش تتم عبر منطقة واسعة من الأغلبية العربية، فيما يؤكد نمط الأحداث استمرار وجود شبكات التوريد والدعم الخاصة بداعش ، والتي يمكن للأعضاء الحركة من خلالها والمرور بأمان وبشكل سري، وضرب السلطات في ظهرها عندما تتاح الفرصة بسبب استمرار شلل العملية السياسية في العراق».

وواصل التقرير أن تحرك داعش البطيء في المنطقة دليل على أن الانتصارات التي تحققت في سورية والعراق لم يحل سوى نصف المشكلة، وطالما ظل الأمر كذلك، فمن المرجح أن يستمر التمرد الكامن أو المنفتح في المناطق النائية والفقيرة غير الخاضعة للحكم بشكل قوي في كلا البلدين».

ملحمة الاستنزاف 2

مع إرسال كثير من القوات الموالية لنظام الأسد إلى إدلب، تعزز وجود داعش في منطقة البادية السورية، حيث أسس التنظيم لنفسه كياناً جديداً، وبدأ تنفيذ هجماته ضد عناصر النظام السوري وميليشياته المسيطرين على المنطقة هناك، وازداد هذا النشاط أخيراً مع بدء انتشار فيروس كورونا، حيث صعّد التنظيم عملياته في منطقة البادية بشكل لافت.

ونشر تنظيم داعش نهاية مارس الفائت إصداراً مرئياً جديداً أطلق عليه اسم «ملحمة الاستنزاف 2»، أكد فيه استمرار حربه ضد النظام السوري، أو ما أطلق عليهم قوات النصيريين، واستكمالاً لـ»ملحمة الاستنزاف» التي أطلقها زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي في أغسطس 2019 قبل قتله على يد الجيش الأمريكي في إدلب.

أسلحة صاروخية

أفادت شبكات إعلامية سورية أن «التنظيم استخدم أسلحة إيرانية خلال هجماته الأخيرة على مواقع قوات النظام»، مؤكّدة أن الهجمات تمّت بتقنيات صاروخية إيرانية ومتطورة جدا.

أكد ذلك الباحث في مجال الأسلحة كاليبر ابسكيورة الذي نشر تغريدة عبر تويتر أكد فيها أن القذائف التي استخدمها تنظيم داعش في هجماته على مناطق البادية إيرانية الصنع والمصدر، وأشار إلى أن التواريخ الواضحة في الصور تشير إلى ذلك.

حركات التنظيم

رصد الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي خطوط حركة تنظيم داعش في العراق خلال الربع الأول من عام 2020، في تقرير يؤكد أن التنظيم وإن كانت سيطرته في قواطع عملياته بالعراق محدودة وتقتصر عـلى بعـض القرى والمناطق المهجورة، لكن لديه المقدرة على الوصول عند اغتنام الفرص في تلك الأرياف والمدن إلى ما هـو أسوأ، خاصة أنـه ثمة هشاشة أمنية وعسكرية واضحة هناك.

تقلص النشاط

لا تزال آلة داعش الإعلامية منتجة، على الرغم من تقلص نشاط الشبكات الموالية له على وسائل الإعلام مقارنةً بفترة التوهج في الفترة من 2014 - 2016 بشكلٍ خاص.

ويذكر التقرير أن المراقب يرصد أن لدى التنظيم محاولات فاشلة وهو يحاول إعادة البيئة الحاضنة التي تساعده على ترتيب صفوفه، لكنه يواجه رد فعل مغاير من الأهالي وخاصة العشائر العربية السنية والكردية هذه المرة، كون تلك العشائر خصوصا في المناطق المتنازع عليها والغربية في العراق أكثر استعدادا من عام 2014.

هيكل تنظيمي

وفقا للتقرير، فإن مفارز فلول وبقايا شبكات داعش اعتمدت عـلى تأسـيس 11 قاطعا في ولاية العراق وفق هيكلهم التنظيمي، وبحسب النتائج التي توصلت إليها الأمم المتحدة، منسوبة لتقييم كبار المسؤولين الأمريكيين في مجال مكافحة الإرهاب، فإن هناك ما بين 14000 إلى 18000 من مقاتلي داعش ينشطون بين سورية والعراق حاليا، خاصة في محافظتي ديالى وكركوك وإلى الجنوب من الفرات.

في كل قاطع تتواجد كتيبة قتالية تتضمن 350 - 400 عنصر نشط ويساعدهم نحو 400 عنصر لوجستي غير نشط «ما يعرف إعلاميا بالخلايا النائمة»، ثم تنقسم تلك الكتيبة التي تتواجد داخل كل قاطع إلى سرايا من 50 عنصرا ناشطا تكون لها مسؤولية محددة داخل القاطع، وبدورها تقسم تلك المنطقة على مفارز من 9 - 10 عناصر.

مخاطر

يواجه الاستقرار الأمني في المناطق التي تم تحريرها من قبضة داعش سابقاً جملة من المخاطر التي يمكن تلخيصها بالتالي:

في الأشهر الأخيرة أصبح واضحا أن فلول داعش تركز على هدف مركزي، وهو منع الأحزاب والتيارات السياسية من الاعتماد على الذات في قيادة وإدارة المدن.

استهدف داعش التعدد الطائفي في المحافظات، وحاول الاقتراب من مدينة سامراء العراقية، وبالتالي فرض على محافظة صلاح الدين الاضطرار للاعتماد على فصائل الحشد الشعبي من خارج المحافظة، وأصبحت قيادة المحافظة أكثر ميلا إلى مطالبة بغداد بالمساعدة بحملات عسـكرية في المناطق التـي تصفها بـ»الساخنة والخطرة»، مثل الثرثار وشمال بيجي والشرقاط ومطيبيجة والعظيم، لاسـيما بعد تصاعد تهديد عودة داعش، أو على الأقل حاجته إلى بيئة حاضنة، في بعض هـذه المناطق.

تسـعى شبكات داعش إلى تحسين العلاقة مع الزعامات الدينية أو الأئمة والخطباء في القرى النائية من غرب العراق، حيث هي منطقة المواجهة الحقيقية للبحث عن نفوذ اقتصادي وتأسيس شبكة لاختراق المجتمع المدني المتدين وصناعة حاضنة منسجمة دينيا مع التنظيم.

حصيلة عمليات 3 أشهر

تؤكد بيانات داعش أن التنظيم نشط خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة مستغلاً الأوضاع العالمية، وانشغال الجيش والأمن بالتعامل مع تأثيرات كورونا، وفق التالي:

يناير

داعش يعلن أنه نفذ 143 عملية إرهابية، وأوقع من 205 - 211 قتيلا، مع خسائر مختلفة في المعدات، وأن تلك العمليات تركزت على قواطع كركوك وديالي وصلاح الدين وشمال بغداد.

فبراير

زعمت بيانات تنظيم داعش أنه نفذ 88 عملية، وأنه أوقع بين 76 - 85 قتيلا، وخسائر مختلفة في المعدات، وتركزت العمليات على قواطع ديالي وصلاح الدين وشمال بغداد.

مارس

زعمت بيانات تنظيم داعش أنه نفذ 139 عملية، وأنه أوقع نحو 84 - 90 قتيلا، وخسائر مختلفة في المعدات، تركزت العمليات على قواطع شمال بغداد وصلاح الدين وديالى.

عوامل ساعدت على تنشيط داعش

- انشغال العالم بجائحة كورونا

- الانسحاب الأمني من المناطق الريفية في سورية والعراق

- الانشغال الأمني بتنفيذ الحظر في المدن

- فراغ منطقة البادية السورية من القوى النظامية

- امتداد المسافة واتساعها على الحدود الفاصلة بين البلدين

- خسارة داعش لمناطقه لم تعنِ انحلال التنظيم

- التنظيم يعتمد خلايا نشطة ويبقي النائمة احتياطية له