يوم الجمعة المنصرم دخلت سنوات القطيعة التي تفرضها رباعية – الرياض القاهرة أبو ظبي المنامة – على دولة قطر، أو «شرق سلوى» كما ينبغي وضعها وفق موضعها الطبيعي، عامها الرابع. أربعة أعوامٍ قضتها الدوحة بين مناورات سياسية، وبناء تحالفات مصيرها الفشل، واستجداء التدخلات لإيجاد حلول، والبحث عن مبادرات، ركض وراءها أمير قطر والعاملون معه، ولم يُفلح لا كبيرهم ولا صغيرهم.

اندلعت الأزمة وانشغل صناع القرار في قطر، بمكابرات سياسية مدعومة من «عصملي تركيا»، وسيد «العمامة السوداء» في إيران. في آنٍ واحد عمل بائع الحلوى الفاسدة في أنقرة، وحائك السجاد في طهران، على عزل النظام القطري عن محيطة الخليجي.

اقتنع السادة في الدوحة أن اللحمة الخليجية لم تعد مُجدية، ولا سبيل عن البحث في أوراقٍ للتحالف مع أنظمة إقليمية. ارتمى النظام القطري في الحضن التركي، والإيراني، وقسم نفسه بينهما، فيما كان النظامان يعملان على استصدار مزيد من الفواتير، التي تحقق أكبر مساحة من احتلالٍ للأرض، وكسب مزيد من أموال تلك الدويلة الصغيرة، ذات الطموح الأكبر منها جغرافياً واجتماعياً، وحتى تاريخياً. دخلت الحكومة القطرية «عش الدبابير» عبر التحالف مع أنقرة وطهران.

بات أرباب السياسة في الدوحة طابوراً خامساً في بلادهم، بعد تمكين «العجم» من مفاصل الدولة وإدارتها، بل حتى حماية قصر الأمير وديوانه. شكلوا من حيث لا يعلمون من قال عنهم الزعيم النازي أدولف هتلر «أحقر الناس أولئك الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم». غرق الحاكم من حيث لا يعلم في مستنقع الاحتلال، وبات المحتلون قريبون من مخلد نومة.

ووجد كاتب السيناريو الإعلامي نفسه في وحل التسميات والتصنيفات. هل هذا حصار، أم مقاطعة؟ أجمعوا أنه حصار واقتنعوا بهذه الكذبة التي اعتمدت أيضاً في أساسها على شعارٍ نازي، أطلقه جوزيف جوبلز وزير دعاية هتلر، الذي وجد منتحراً في أربعينيات القرن الماضي «اكذب اكذب حتى يصدقك الناس».

عملت الماكينة السياسية القطرية على تصوير أن تركيا وإيران هما الحليفان المفقودان منذ زمن. واجتهدت الماكينة الإعلامية في تكريس مفهوم الحصار لدى المجتمع القطري، البعيد كل البعد عن سياسة النظام الحاكم في الدوحة، نظير ارتباطه بنسيجه الاجتماعي في دول الخليج، لا سيما السعودية، ولم تنطلِ عليه. الكثير من العقلاء فهموا أن الأمر مقاطعةً مشروعة بعد صبر طويل، وثُلة قليلة ركبت الهوى القطري المصنوع في أروقة الديوان الأميري، وقناة الجزيرة، واقتنعت بأن الأمر حصار. لا ضير في ذلك ولا مشكلة في التسمية. المهم الواقع. الأسبوع الفائت وبمناسبة دخول الأزمة الخليجية سنتها الرابعة، تابعت مقابلةً مع وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بثته مسبقاً قناة الجزيرة.

جاء سؤال المذيعة حول دخول المجتمعات الخليجية على خط الأزمة السياسية. قال الوزير «بعض المغردون في دول الحصار – المقاطعة – أسهموا في اتساع الاستقطاب السياسي القائم في أصلة بين الدول. حتى قناة الجزيرة أسهمت في ذلك الاستقطاب لكن بشكل محترف ومهني»!. لا أعلم كيف يمكن أن يصدر ذلك من وزير خارجية يُفترض أن يمتلك أبسط مقومات الدبلوماسية والمراوغة بوقت واحد. فهذا اعتراف ضمني أن القناة تسير في فلك النظام وتتلقى توجيهاتها وأجندتها من الدولة القطرية وتأتمر لأمرها.

وبذات الوقت نسفٌ للرواية القطرية الحكومية، التي طالما حاولت التملص من مسؤوليتها عن القناة، واعتبارها تشكل ما يُسمى بـ«الإعلام الحر». الأهم من ذلك أن رد الوزير القطري يمنح مشروعيةً لمطلب إيقاف قناة الجزيرة الوارد ضمن المطالب الـ13 المشروطة على قطر من قبل دول الرباعية. بدت المذيعة حينها أذكى من الوزير. نقلته على نحوٍ سريع للمقارنة بين عمر مجلس التعاون الخليجي وعمره. ابتسم بوجه شاحب. في ذلك فهمٌ لجهل الوزير الصغير، الذي لم يفهم بكل أسف أن «الاستقطاب أو الفرقة» معادلةً صفرية، ما يكسبه الأول يخسره الثاني، وما يخسره الثاني يكون قد كسبه الأول.

أمام النظام القطري مرحلة تعتمد على واشنطن بالدرجة الأولى. فالدوحة في الأساس عملت للتمهيد لذلك، عبر تسريب تقارير الأسابيع القليلة الماضية، حول تسريح حوالي 20 % من العاملين في الخطوط القطرية، وإيقاف عدد كبير من الرحلات نظير الخسائر التي تكبدتها الشركة.

استناداً على تلك التسريبات، سيعمل تنظيم الحمدين خلال قادم الأيام على مزيدٍ من ادعاء المظلومية. أحد أبرز هذه الادعاءات هي تصدير الناقل الجوي الرسمي في قطر إلى الواجهة، وتصوير أنه بات يُعاني مزيداً من الخسائر، جراء سلك خطوط طيران تعتمد على الأجواء الإيرانية، وهذا يتعارض مع التوجه الأمريكي، الذي يعمل على عزلة إيران. استخدام الأجواء الإيرانية يكسر إستراتيجية العزل الأمريكية ضد طهران.

يتوقع نظام الحمدين أن واشنطن ستكون قادرة على محور الرباعية. أو على الرياض تحديداً، لدفعها لتقديم تنازلات تتمحور حول فتح الأجواء السعودية للطيران القطري للإسهام في عزلة إيران. ينتظر «التنظيم المارق» تحقيق انتصار بالورقة الأمريكية. هذا يستحيل. وأبعد مما يتخيلون ويتوقعون. الواقع والمفترض بنهاية المطاف أن يستمع حاكم الدوحة، إن كان حاكماً حقيقياً وليس شكلياً لدويلة قطر، إلى أبسط مغرد من أبناء الدول المقاطعة، بأن الحل في الرياض. لا حل يمكن أن يحدث دون مرور – تميم نفسه - على قصر العوجا، حيث يحب من بيده القرار، أن يمضي جُل وقته هناك في الدرعية التاريخية. لا مفرّ ولا مناص من ذلك. الجميع فهم ذلك. آن لهم أن يفهموا.