ويخيل إلينا أن الآراميين كانوا هم المعنيين بالتسمية لأنهم سكان نجد أي المنطقة الجبلية، ولأن آرام تعني الجبال وفي هذه الحدود يكون لفظ عرب مرادفا للفظ «بدو»، وبهذا التحديد استعمله العبرانيون. إلا أن منهم من حمل تراثه وارتحل، وهناك عاش متمدنا على طول السواحل العربية المطلة على الخليج العربي في الشرق، والمحيط الهندي في الجنوب وساحل البحر الأحمر في الغرب. وما دمنا نسلم بنزوح قبائل بدوية إبان حضارة نقادة المصرية – على ما بينا – فالواجب يقتضي الاعتراف بوجود ثقافات قديمة أقدم كثيرا مما تنطق به آثار اليمن وحضرموت والصفا بالشام، لأن هذه مرحلة تالية حتى أن أصحابها – عند بعض الدارسين – لا يعدون عربا سواء أسسوا مملكة حمير في الجنوب أو أقاموا حضارة بابل وتدمر في الشمال. وليس يعنينا هذا الأمر كثيرا. لأننا نسلم برحلات البدو إلى العمران وليس العكس. وبإحلال البدو أية مدينة معمورة - في شيخوختها الحضارية - تنشأ الحضارة الجديدة على نحو ما نشأت حضارة بابل على أنقاض السومرية العجوز أو حضارة العبرانيين بعد غزوهم صيدا وغيرها من مدن الكنعانيين.
وليس يمكننا اتهام فكر البدوي بالتخلف، لأنه ضرب من الحضارة، ويحمل سمات لها قيمتها الخاصة. إلا أنه يتشكل في البيئة الجديدة مثلما تشكل عند الحميريين والمعينيين، أو البابليين والتدمريين، ويعمق أو يضحل تحت تأثير التمدن الطارئ. ولقد صادرت الحضارة الإغريقية - مع أن فيها عناصر سامية هائلة - فكر الساراسيين الذين يسكنون شرقي جبل السراة بالحجاز الشمالي، غير أنهم وصفوا ثقافتهم بأسلوب رصين.
ولو لم يكن لهذا الفكر نمط حضاري له ثقله لما عنوا بمصادرته. والفكر البدوي هو الفكر العربي بمعنى، وهو الفكر السامي بمعنى آخر، وهو نتاج حضارة عربة وامتداداتها إلى ما حولها، وعلى قاعدة أن البداوة غذاء الحضارة، لا بد من التسليم بأن البدو كانوا يتسربون بثقافتهم إلى المدن المجاورة لهم، ولا شك أنهم كانوا يضايقون دائما سكان تلك المدن، حتى أن البابليين أنفسهم كانوا يلعنون عمورو، أو «عربي» يقصدون البدو الذين استقروا غربي الفرات. وحذا حذوهم مصريو الدلتا وسموهم بالشاسو - أي أهل البادية قبل الميلاد- وذلك بوصفهم أصحاب مديان الواقعة على تخوم سيناء.
وهنا يعن لنا أن نسأل: لماذا اعتاد المؤرخون أن يسقطوا من حسابهم حضارة هؤلاء البدو؟
1977*
*ناقد وأديب مصري «1927 - 2008»
لا يمكننا اتهام فكر البدوي بالتخلف، لأنه ضرب من الحضارة، ويحمل سمات لها قيمتها الخاصة