أعلنت إحدى دور السينما أن فيلماً مدته ثمان دقائق فاز بلقب أحسن فيلم قصير في العالم، فكانت طريقة إعلانها وتسويقها لمشاهدة الفيلم مشوقة جداً، امتزجت فيها روعة التحدي في صورة تحفيز جاد وغرس تنافسية قادمة بين دور السينما، لصناعة أفلام تظهر فيها حرفية التأليف، وبراعة الإخراج، كيف لا يكون ذلك، وقد أخذ هذا الفيلم مكانه، وتربع على منصات التتويج العالمية، قائلاً بكل فخر واعتزاز "ها أنا حاصل على المركز الأول عالمياً". كل ما ذكر من كلمات تسويقية فارهة بنعومة الحرير وروائح الورد الفواحة، كانت بمثابة مغناطيس عجيب جذب المشاهدين من الجهات الأصلية والفرعية وما بينهما، فحضر حشد كبير كجيش جرّار زاحف، سعد به المكان ورحب، فأنس الحاضرون وبشوا، نفوسهم تواقة وعيونهم برّاقة ينتظرون على أحر من الجمر لمشاهدة هذا الفيلم البطل.

بدأ الفيلم بلقطة لسقف غرفة خالية من أي ديكور، خالية من أي تفاصيل.. مجرد سقف أبيض!!

مضت ثلاث دقائق دون أن تتحرك الكاميرا! ولم تنتقل إلى أي مشهد آخر، أو أي جزء آخر من السقف نفسه!!

مرت ثلاث دقائق أخريات دون أن تتحرك الكاميرا!! ودون أن يتغير المشهد!! بعد ست دقائق ثقيلة مملة، بدأ المشاهدون بالتذمر.

وفجأة.. وقبل أن يهم الأغلبية بالانصراف، تحركت عدسة الكاميرا رويدا رويدا رويدا بحركة تشبه حركة سلحلفاة -بل أبطأـ تتحرك على حائط خالٍ من أي تفاصيل أيضاً.. حتى وصلت للأسفل.. نحو الأرض.

هناااااك ظهر طفل مُلْقَى على سرير.. يبدو أنه معاق كليا بسبب انقطاع الحبل الشوكي في جسده الصغير.

انتقلت الكاميرا شيئًا فشيئًا إلى جانب سرير المعاق، ليظهر كرسي متحرك من دون ظهر.. انتقلت الكاميرا إلى موقع الملل والضجر.. إلى السقف مرة أخرى.

لتظهر جملة «لقد عرضنا عليكم ثمان دقائق فقط من النشاط اليومي لهذا الطفل.. فقط ثمان دقائق من المنظر الذي يشاهده هذا الطفل المعاق في جميع ساعات حياته، وأنتم تذمرتم ولم تصبروا لسِت دقائق!! ولم تتحملوا مشاهدته!!».

هذا واحد من ملايين بالعالم، حق أن يطلق عليهم (ذوو الهمم العالية)، فهم ليسوا معاقين بل أصحاب همم عالية تفوق همة الأسوياء في بعض الحالات. اعرفوا قيمة كل ثانية من حياتكم تقضونها في العافية، واحمدوا ربكم على كل نعمة أنعم الله بها عليكم، فلن تشعروا بقيمة وجودها إلا إذا فقدتموها.

نعاني من الحجر ومنع التجول، وهو إن شاء الله لفترة محدودة ويزول، سحابة صيف، أو كلمحة بصرٍ عابرة، ولا نعلم أن هناك الملايين عاشوا حياتهم كلها في الحجر والحظر، رغم أنه لا يوجد حجر ولا حظر.

الحمد لله على ما أنعم به علينا، حرية في الحركة، والحياة، وتنفس عبق الهواء، وممارسة النشاط على مختلف ألوانه، فبالشكر تدوم النعم. قال تعالى: "وإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ".