يعدّ الحجر أحد أهم أشكال عضل الفتيات وتأخير تزويجهن.

الحجر -لمن لا يعرفه- هو «إحدى العادات القديمة المتعلقة باختيار الولي زوجا لابنته».

نشأ هذا التقليد قديما، حين كانت القبائل تعتمد على لحمتها وتماسك أفرادها في زمن التنقل والترحال، والذي يعدّ من أصعب طرق العيش التي عرفتها البشرية، ولكن المؤسف أن بعض الآباء ما زال متمسكا به.

والحجر -ببساطة- هو أن يوقف الأب زواج ابنته على ابن عمها.

وعادة الحجر تتضمن أمورا متعددة منها: أن يعلن الأب أن ابنته محجورة فلا يتقدم لها أحد، وإن تقدم أي خاطب لها فإن مصيره الرفض، لأن «البنت لولد عمها»، بل إن ابن العم أحيانا هو من يقوم بالحجر، حسب المقولة الشعبية «ابن العم ينزل ابنة عمه عن ظهر الفرس»، ومعنى هذه العبارة أن ابن العم لديه الحق في خطبة ابنة عمه حتى بعد تمام خطبتها لغيره.

ومع أن هذه الممارسات تخالف الشريعة الإسلامية مخالفة صريحة، إذ جاء في الحديث: «لا يخطب الرجل على خطبة أخيه»، إلا أن عادة الحجر تكتسب الثبات من رابطة الدم الوثيقة بين الآباء دون الرجوع إلى رغبة الفتاة، ودون مراعاة للتكافؤ النفسي والفكري بينهما.

فقد يكون ابن العم شابا ومتزوجا، وتكون الفتاة المحجورة طفلة، فتبقى محجورة عليه حتى تكبر، ثم يتزوجها ولو كانت زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة، ومهما كان فارق العمر بينهما.

كما أن الفتاة المحجورة لا يحق لها الرفض، وقد تتعرض للأذى من أسرتها إن اعترضت أو حاولت أن تختار رجلا غير ابن عمها الذي سُميت له، فالأمر إذًا يصبح قطعيا بمجرد إعلانه.

ربما لا يتوقع كثيرون أن هذه الممارسة موجودة حتى اليوم، ولعلها كانت عادة ريفية في السابق، إلا أن هناك من نقلها معه إلى الحياة المدنية، وأصبحت أحد أشكال المعاناة للفتيات، إذ تُصادَر إرادتهن باسم العادات والتقاليد.

وكثيرا ما نسمع -خلال عملنا القانوني- عددا من المبررات والمعتقدات من بعض الآباء، فمنهم من يظن أن تمسكه بهذه العادة هو إعلاء لشأن القبيلة، وإكرامٌ لابن أخيه.

ومفهوم -طبعا- أن العادات التي تتغلغل في مجتمع ما، تكتسب مع الوقت صفة القبول، وتصبح عُرفا، فتزداد المشقة على من يحاول تغييرها.

لكنه واجب على المجتمع -بكل مؤسساته- أن يقاوم هذا الفعل الذي هو في حقيقته استيلاء على إرادة المرأة، وتعسف في استخدام ولاية الأبوة، كما أنه انحراف بالزواج عن هدفه الذي هو الرحمة والمودة والاكتفاء العاطفي والجسدي.

إن ممارسة الحجر على أي امرأة، هو اغتيال لكل خياراتها في الحياة، ومما رأيت فإن المحجورات يقعن فريسة القلق والحزن، وتفسد علاقاتهن مع آبائهن،

ويعشن بهاجس الخلاص زمنا طويلا.

ثم أقول لكل أب: «ابنتك ليست شيئا تملكه فتهبه لمن تشاء، ابنتك إنسانة مكتملة الأهلية والمسؤولية، فكن عونا ومرشدا لها، واعلمْ أنك قد تكسب رضا المجتمع

والقبيلة عندما تسمح بحجرها، ولكنك ستخسر سعادة ابنتك وطمأنينتها.. وإنه لخسران مبين».