أمس21 يونيو الجاري، كانت العودة للحياة، لما قبل كورونا، ولكن هل ستكون هذه الحياة تشبه حقا تلك التي كان الناس يعيشونها أم ستختلف؟ لا شك أنه خلال فترة المنع التي مرت على المملكة العربية السعودية وما صاحبها من إجراءات احترازية مختلفة، جرب المجتمع التعايش الفوري مع هذه الإجراءات، والتزم بها مراعاة لمصالحه الشخصية وواجباته الوطنية. كما جرب فيها الأفراد حياة تتسم بالانضباط ومتابعة عقارب الساعة ليوزع عليها مهام يومه وقضاء احتياجاته، وتحول بشكل شبه كلّي للحياة الإلكترونية والعمل والتعلم عن بعد كخيار آمن للمرحلة. كورونا مع أنها وجه آخر للموت ومع كل السوء الذي أتت به للعالم إلا أننا نستطيع أن نتبنى بسببها نمط حياة مختلفا عن سابقه، نمط أكثر فاعلية في جوانب الحياة المختلفة.

خلال فترة المنع بنوعيه – الجزئي أو الكلي- كانت أوقات التسوق المتاحة تمتد لساعات محددة. وكانت تنتهي مؤخرا قبل الساعة الثامنة مساء مع استثناءات ضرورية. وخلال الفترة ذاتها وخاصة في شهر رمضان المبارك كان كثير من المتاجر لا تغلق أبوابها ولا تُخرج المتسوقين حينما يحين موعد الصلاة. من معايشة هذا الواقع أرى أنه سيكون من الأفضل لنمط حياة الأفراد والمجتمع في الفترة القادمة أن يتوقف العمل في المجمعات التجارية أو مراكز التسوق عند الساعة الثامنة مساء، على أن يكون العمل فيها مستمرا خلال النهار دون أن تغلق المحلات وقت الصلاة. وتبقى للعمل حتى ساعات متأخرة نسبيا المطاعم والمقاهي والصيدليات ومحلات التموين.

توجه العالم كله مع إجراءات العزل والمنع بسبب جائحة كورونا للتعليم عن بعد، ورغم حداثة التجربة خاصة في التعليم العام لدينا، إلا أن وزارة التعليم استطاعت توجيه دفة الأمر بكفاءة نسبية وأنهت العام الدراسي مع تفاوت واضح في التمكن والتمكين للتعلم عن بعد لجميع الطلبة، لقد كانت تجربة ومرحلة يجب أن تمضي لأن ظروف الجائحة لا تحتمل إلا أن تكون ناجحة ومجتازة. ولكن ما بعد هذه المرحلة التي يصح أن تكون تجريبية هو ما يهم أن تتعامل معه وزارة التعليم، وأن تبدأ بتطبيق التعلم الإلكتروني بتهيئة الاستجابة والتعامل معه سواء من ناحية التجهيزات المادية أو البشرية والبنى التحتية في المدارس قبل الإدارات، وأن تتناسب المناهج التعليمية مع المهارات التي يحتاجها طالب القرن الحادي والعشرون والتي تعلمه أن يكون متعلما دائما لا متلقيا للتعليم.

أبطال الصحة كانوا هم خط الدفاع الأول في مجابهة هذا الوباء ومواجهته، وكانت الأنظار ولا زالت توجه إليهم وتعلق الآمال على ما يقدمونه من رعاية صحية لمصابي كورونا ولبقية الحالات الطبية الطارئة أو المزمنة. ولعل لمهنة التمريض النصيب الأوفر في التعامل اليومي والمباشر مع المرضى، وكذلك التقدير لحجم العمل والمخاطرة التي تعيشها الممرضات بشكل يومي. كانت هذه المهنة حتى وقت قريب لا تنال التقدير الكافي بل وكانت المنتسبات لها -كأي تخصص صحي آخر- تواجه مقاومة من المجتمع في فترة خضوعه لـ«أدلوجة» الصحوة والتي كانت بشكل ما سببا في نقص الكادر السعودي من الممرضات والذي ظهر واضحا مع هذه الأزمة. ما بعد جائحة كورونا يستلزم الاهتمام بالقطاع الصحي بشكل عام، وبكوادره البشرية بشكل خاص سواء أكانت تخصصات طبية أو فنية أو إدارية من خلال توسع الجامعات السعودية في القبول لهذه التخصصات، وأن توظف وزارة الصحة المتخرجين منها وإحلالهم بدلا من العمالة من الجنسيات الأخرى.

وبسبب جائحة كورونا توقف أو تأجل كثير من المناسبات الاجتماعية وما يصاحبها من احتفالات وتجمعات تستدعي الهدر المالي الذي لا تطيقه بعض الأسر، ولا يتحمله كثير من الأفراد، بل ويصبح عبئا ماليا ونفسيا، يتحمله سنين طوالا لأجل عادات اجتماعية ومظاهر استطاع الكثير الاستغناء عنها مع الجائحة، ومع الاستغناء وصل لقناعة أن التغيير في المجتمع يبدأ بفكرة وقرار شخصي يلتزم به قبل أي أحد آخر. كورونا عرفتنا أيضا على ذواتنا واحتياجاتها الضرورية للبقاء أصحاء وسعداء، فحتى مع الانعزال المفروض علينا استطاع الأغلب أن يتكيف مع العزلة ويتماهى معها مع الموجود حوله من أشخاص وأشياء أو يكتشف أنه يستطيع الاستغناء عن الكثير مما يظن أنه لن يعيش دونها. لذا المجتمع بأفراده باستطاعته التخلي عن الكثير من العادات الاجتماعية التي تقيده ولا تفيده، وأن يعرف أولوياته التي يعيش لها ومعها.

الكوارث التي تحيق بالبشرية أيا كانت تكون في مجتمعات نقطة انطلاق وتغيير لها نحو الأفضل، وتستفيد من الدرس بالنظر لما خلفه، وبعض المجتمعات تكون سبب انتكاسة لها وتبقى سنوات تراوح مكانها تعالج عثراتها وأخطائها بذات الأساليب والتنظيرات التي لا تتفق وحجم الدرس. تجربة كورونا درس لن يمر بسهولة على الأوطان ولا الأفراد النابهين ونأمل أن يكون الجانب الإيجابي الذي يحدث في نمط الحياة في وطننا بقدر فداحة هذا الدرس.