اشتعلت وتيرة الخلاف، مؤخرا، بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ومنصته المفضلة تويتر. وتعود قصة الخلاف حين غرد الرئيس بأن التصويت بالبريد الإلكتروني خلال الانتخابات المقبلة سيكون مزورا، مما دفع إدارة الشبكة لإرفاق توضيح وتبرير لهذه الاتهامات، وأنها تفتقر إلى دليل، وذلك بحسب سياسة النشر لديها. أثار هذا التعديل الاستثنائي من تويتر غضب ترمب، حيث أعلن أنه سيتخذ إجراءات صارمة بإصداره قرارا تنفيذيا يفتح الباب أمام تغيير الوضع القانوني لمواقع التواصل الاجتماعي، لإلزامها بالحياد التام تجاه القضايا السياسية، وسط تأييد من مؤسس فيسبوك، حين تدخل في الصراع بقوله، إن مواقع التواصل يجب ألا تعدل وتدقق على منشورات السياسيين.

وتجددت الإشكالية حين نشر ترمب مقطعاً عن اشتباكات بين متظاهرين والشرطة في مدينة مينيابوليس لتقوم تويتر مجداً بإضافة توضيح أن المحتوى يمجد العنف! ليقوم ترمب حينها بمهاجمة الشبكة بشراسة، ودعا قناة فوكس نيوز للتضامن معه، قبل أن يتراجع تويتر عن مواقفه تجاه الرئيس، مبيناً أن تغريداته ستبقى حتى وإن خالفت قواعد الشركة. وما كان للأمور أن تهدأ حتى أعيد الخلاف بينهما مجددا، عندما أقدم تويتر بوضع علامة تحذير للمرة الثالثة على تغريدة ترمب بحجة انتهاكها سياسة النشر.

الملفت في صراع ترمب وتويتر أنه كان المنصة المفضلة له التي عادى من خلالها غالب قنوات ووسائل الإعلام التقليدي، سواء في فترة الانتخابات أو حتى بعد توليه سدة الرئاسة. إذ إن الكثير من القرارات والتعليقات كانت تصدر من حسابه قبل أن تصدر حتى من البيت الأبيض، بالإضافة إلى هجومه في أكثر من مناسبة على الإعلام التقليدي عبر حسابه في تويتر.

علاقة البيت الأبيض بالإعلام الرقمي بشبكاته الملونة لم تكن وليد هذه الحادثة فقط، بل هي علاقة أخذ وجذب تمتد لعقدين من الزمن. حين استخدم جون ماكين الإنترنت عام 2000 أثناء سباقه نحو البيت الأبيض لجمع التمويل المالي لحملته. كذلك أوباما وتحديداً أثناء سباقه لفترة رئاسية ثانية كان أول من وظف الإعلام الرقمي بشكل واضح وصريح، وخاصة منصة فيسبوك. كما شهدت الانتخابات الأمريكية الماضية بين ترمب وكلينتون تنافسا محموما عبر الإعلام الرقمي إذ أنفقا ما يقارب ملياري دولار.

ولاح في الأفق صراع الشبكات على كرسي الرئاسة في أمريكا حين وجه المرشح جو بايدن رسالة إلى مارك زوكربرج، حيث طالب بايدن بأن تكون هناك ضوابط تطبق على الجميع بمن فيهم ترمب، تمنع سلوك التهديد والكذب بشأن طريقة التصرف في الانتخابات. بالإضافة إلى التحقق من صدق إعلانات الساسة ومسح المعلومات المغلوطة المنتشرة. وأعلن زوكربرج أن المستخدمين الآن سيتمكنون من إيقاف الإعلانات السياسية على الشبكة في الفترة التي تسبق الانتخابات الأمريكية. هذا الصراع لم يتوقف عند هذا الحد فحسب، بل تطور لاستخدام أساليب دعائية في الشبكات تتمثل في إنشاء شبكات جديده معادية للحزب الديموقراطي.

تباينت شبكات الإعلام الرقمي في تعاطيها مع القضايا السياسية. إذ لم يقتصر هذا التباين على الشبكات المتنافسة فحسب. بل امتد الأمر في أحيان كثيرة إلى الشبكة ذاتها وأدت حالة التباين تلك إلى بروز شبكات جديدة على الساحة مثل تطبيق «بارلر» الذي وصف نفسه بديلا غير متحيز، حيث انطلق التطبيق عام 2018، وانضم لهذه الشبكة في أسبوع واحد مليون مستخدم غالبيتهم من المؤيدين لترمب الذين وجدوا في هذا التطبيق منصة للهروب من الرقابة وأيديولوجيات الديموقراطيين.

إن حجم التأثير البالغ لتلك الشبكات وما تمتلكه من عدد لمستخدميها يزيد على سكان الكثير من الدول، بالإضافة إلى حجم البيانات الذي تختزله في ملفاتها، جعلتها مصدرا جاذبا لكثير من الساسة لتبنيها، حيث كانت هناك العديد من المحاولات الحكومية لجعل تلك الشبكات تخضع لمؤسسات حكومية حينما سعى أوباما لذلك دون أن ينجح.

هذا التنامي المتزايد في أعداد مستخدمي تلك الشبكات والبيانات التي تحويها وتصاعد حجم تأثيرها في القضايا السياسية، جعلها أداة مهمة للدعاية واستراتيجياتها، مما استوجب على ملاك تلك الشبكات استخراج تشريع محدد يبين موقفهم تجاه القضايا السياسية. ويكون هذا التشريع تابعا للأمم المتحدة بحيث لا يسمح لحالة التباين في تعاطي تلك الشبكات للمواقف السياسية، وحماية تلك الشبكات من أن تستخدم لتحقيق أجندة سياسة. وكذلك حماية الشركات من التدخلات الحكومية، كما حاول ترمب ذلك بتشريعه للوضع القانوني الجديد والذي من المتوقع أن تقابل خطوته بالرفض، خصوصاً وأنها ستشرع لنشر الأخبار المغلوطة والمضللة. يقول الباحث الفرنسي باتريك شارودو: وظيفة الإعلام تخضع لمنطق مزدوج.