ضمن برنامج وزارة السياحة الممثل بالهيئة السعودية للسياحة، كان لي فرصة سعيدة بزيارة الباحة للمشاركة في لفت نظر من اشتاق للسفر للاتجاه نحو السياحة الداخلية، من خلال تسليط الضوء على منطقة فاتنة من مناطق وطني الغني بالجمال.

الباحة أصابني عشقها مع أول خطوة لي على أرضها، (مرحبا هيل عد السيل)، كانت أول ما سمعته من أهلها الذين أسروني بطيبهم وكرمهم الذي كان سيلا غزير سالت على إثره أودية الدهشة وشعاب الإعجاب بالمنطقة وأهلها، ليس عندي شك أن طبيعة المنطقة أثرت بشكل كبير في تكوين السمات الشخصية لأهل الباحة. فالجو العليل وطبيعة الأرض الخلابة النضرة بخضارها وأشجار فاكهتها الشهية، وأمطارها وجبالها وكل جمال ملامحها جعل وجوه أهلها ضاحكة مستبشرة، ونفوسهم سمحة بطيبتها وعطائهم وترحيبهم بالغريب وكأنه من أهل الدار

فيما يخص الحياة الاجتماعية في الباحة، فما زالت تحتفظ بالبساطة التي لا يشوبها تعقيد.. لاحظت ذلك من خلال العدد الكبير للأسر بأطفالها وشبابها وشيوخها.. تلك العوائل المتناثرة بحسن على عشب المتنزهات والمجتمعة بحب بلا أجهزة هواتف تسرق منهم حميمية اجتماعهم الأسري. وكذلك من خلال علاقة الرجل بالمرأة المبنية على الاحترام والتقدير والتعاون، حيث كان هذا ما رأيته في زياراتنا لبعض أهالي المنطقة ممن شرفونا بدعواتهم لزيارة مزارعهم أو منازلهم.

ولن أنسى الإيثار والروح التنافسية الإيجابية التي يتمتع بها شباب الباحة، حيث كل منهم لا يحبذ التحدث عن النجاح الفردي من غير الإشارة إلى دوافع هذا النجاح الذي ما كان ليتم لولا دعم الجماعة بتعاونها ومساعدتها لبعضها البعض، وهذا بحد ذاته جوهر النجاح الأخلاقي الذي ستكون نتيجته الحتمية إنجازات كثيرة.

أما فيما يختص بالباحة كواجهة سياحية فهي زاخرة بما يهواه محبو الطبيعة، والجو الخلاب والمزارع والغابات والأسواق الشعبية وبمنتجات الحرف التقليدية.

ما لفت نظري هو تلك المشاريع الرائعة التي تصدرت وجه الباحة السياحي مع المحافظة على أصالة هويتها في كل شيء، منها على سبيل المثال متنزه الخلب والبرج وغابات رغدان ومتنزه الجنابين،

ولن ننسى المعلم الجميل الذي أصبح من معالم الباحة (متنزه الأمير حسام بن سعود)، حيث يعتبر من أجمل المتنزهات في المنطقة الجنوبية بشكل عام، متنزه جبار تم بناؤه بزمن قياسي ليكون متنفسا لأهل المنطقة وضيوفهم من المناطق الأخرى.

بصمات أمير الباحة الدكتور حسام بن سعود واضحة جدا على المنطقة، وحرص على أن تكون الباحة وجهة سياحية حية واضحة من حيث متابعته بشكل شخصي لكل ملاحظات الزائرين وتلمسه لاحتياجات السائح، ومن ثم العمل على توفيرها بالتعاون مع أبناء المنطقة الذين يغمرهم حماس غريب، لتكون منطقتهم من أول خيارات البوصلة السياحية.

بقي لدينا ما يحتاجه السائح بصفة عامة عندما يختار أي منطقة من مناطق وطني الغني بوجهاته السياحية، يحتاج السائح إلى زيادة عدد الفنادق المناسبة لسكن العوائل، والتي تضم تحت أجنحتها كل الخدمات ليكون العرض عليها يوازي الطلب.

كثير من السائحين يفضلون الوصول إلى المنطقة التي يختارونها عن طريق البر بدل الجو، وذلك للاستمتاع بالطرق الصحراوية أو الساحلية أو الجبلية، لذلك فمن احتياجات السائح استراحات ذات مستويات لائقة بخدمات مميزة، تحقق للمسافر رفاهية التنقل عبر الطرق البرية.

المحافظة على هوية المنطقة ببنيانها وحرفها وعادات أهلها، ميزة وعامل جذب للسائح السعودي والأجنبي، فليتنا نعصرن الخدمات والبنيان من غير مسح لهوية المنطقة، بغزو المولات الحديثة والماركات العالمية لها، وتحويلها من أماكن هدوء إلى صخب.

تشجيع المستثمرين على الاستثمار في مناطق صنفت مناطق صحية شبه خالية من التلوث، كالبكيرية في القصيم والباحة في الجنوب، على الاستثمار في المنتجعات الصحية التي يسافر لها كثير من السعوديين سنويا، ترغيب الشباب وتشجيعه على التخصص في كل تفاصيل الصناعة السياحية، لأنها رهان قادم بقوة وحاجة، إن أبدعنا فيها عادت علينا بنفع يرضي توقعاتنا.

تلك كانت احتياجاتنا كسائحين، ويبقى ماذا تحتاج منا السياحة بكل جهاتها وواجهاتها..؟ ما تحتاجه أن نكون عونا لهم لا عليهم، وهذا لا يعني أن نتغاضى عن القصور في بعض الجوانب، لأن النقد البناء دائما ينقلنا إلى مراتب أعلى، لا نجامل حتى نصل إلى الأفضل محليا وعالميا، ولكن بنفس الوقت علينا ألا نهدم بالإحباط أساسات متينة لسياحة ما زالت قيد البناء، نقدنا يجب أن يكون بقلب المحب لا بلسان المتصيد، وهدفنا أولا وأخير تنفس روح السعودية بما يليق بالمملكة العربية السعودية.