أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، رغبت الولايات المتحدة في أن يكون لديها قاذفة قادرة على البقاء في الجو لفترات طويلة من الزمن، وقادرة على الوصول إلى أراضي العدو دون التزود بالوقود، فبدأ سلاح الجو في إجراء العديد من الأبحاث لتحقيق تلك الفكرة، فاهتدوا إلى تطوير مفاعلات نووية صغيرة لتشغيل تلك القاذفات، فتم تزويد قاذفة القنابل B-36H بمفاعل نووي يعمل بقدرة 3 ميغاواط، كانت مع القاذفة طائرة مرافقة لها لتأمين المفاعل في حال حدوث خلل له على متن القاذفة، فالإجراء كان يقتضي إسقاط المفاعل من خلال أبواب القنبلة، وفي الوقت ذاته، تقوم قوات المارينز في الطائرة المرافقة بالهبوط إلى موقع التحطم بالمظلة، وتأمين ما تبقى منه حتى يصل الدعم الأرضي، كانت الفكرة فيها نوع من المخاطرة، ولذلك تم إلغاؤها في نهاية المطاف.

أعقب ذلك العديد من الدراسات حول استخدام المفاعلات النووية الصغيرة لصالح قطاعات عسكرية مختلفة، كان من بينها أول غواصة نووية (نوتيلوس) لصالح البحرية الأمريكية، وفيها استخدم الوقود النووي عوضاً عن الديزل، كما قام الجيش الأمريكي بتطوير مفاعل نووي عائم بسعة 10 ميغاواط محمول في سفينة (MH-1A)، لإمداد قناة بنما بالكهرباء في ستينيات القرن الماضي، ومفاعل آخر في القطب الجنوبي. وقد كانت هناك برامج مشابهة في الاتحاد السوفيتي.

جرى بعد ذلك الالتفات إلى الجانب التجاري من المفاعلات النووية الصغيرة واستخدامها لأغراض سلمية، فتم تصنيع السفينة (سافانا) المزودة بمفاعل نووي صغير، وكانت شبيهة بسفن «الكروز». وفي نهاية القرن العشرين دخلت صناعة الطاقة النووية بشكل عام في مرحلة ركود، وقد تكون الحوادث النووية وتأثير الرأي العام قد ساهم في هذا الركود، بالإضافة إلى زيادة متطلبات السلامة على المفاعلات مما زاد من تكلفة إنشائها.

ولكن في عشر السنوات الأخيرة، ومع تزايد الطلب على الطاقة، والقلق من مسألة المناخ، ازداد الاهتمام العالمي بـ «المفاعلات النمطية الصغيرة» كما تسميها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتسمى أيضا «مفاعلات الوحدات الصغيرة» أو«المفاعلات النووية المدمجة الصغير» كمصدر للطاقة النظيفة. تعرف مفاعلات الوحدات الصغيرة بتلك التي تنتج طاقة كهربائية أقل من 300 ميجاواط لكل وحدة، بينما المفاعلات العادية الكبيرة تنتج على الأقل 1000 ميجاواط. وهي ببساطة نسخة مصغرة من المفاعلات النووية الكبيرة.

هناك عدة أسباب لتفضيل المفاعلات الصغير، منها تقليص التكلفة، حيث إن تكلفة إنشاء المفاعلات الكبيرة باهظة جداً (قد تتجاوز 6 مليارات دولار للمفاعل)، وكذلك تقليص زمن البناء، إذ يستغرق إنشاؤها ثلاث سنوات تقريبا بالمقارنة مع 10 سنوات للمفاعلات الكبيرة، وبما أنها أصغر فهي تنتج طاقة حرارية أقل، وبالتالي تقليل مخاطر انصهار قلب المفاعل والآثار المترتبة عليه.

ولكن الجزء الجوهري في هذه المفاعلات هو التصميم وليس الطاقة التي تنتجها، فهي تُصنع في مصنع ثم تُنقل إلى المكان المراد استعمالها فيه، وتركب بخلاف المفاعلات التقليدية التي تبنى وتشيد في الموقع. وقد ساعد حجمها الصغير في ذلك، فارتفاعها قد يصل ويتجاوز عشرة أمتار وقطرها في حدود ثلاثة أمتار.

هذه المفاعلات صغيرة الحجم بحيث يمكن استيعابها في مصانع أو مناجم أو مرافق معينة، كما يمكن نشرها في المناطق النائية دون الحاجة لتمديدات خطوط الكهرباء العمومية المكلفة. وقد تخصص لتطبيقات غير إنتاج الكهرباء، فبالإمكان استخدام الحرارة المتولدة في المفاعل مباشرة، وأبرز تلك الاستخدامات يتمثل في تحلية المياه، والتدفئة، واستخراج النفط وتكريره، وفي العمليات الكيميائية والتصنيع. وحالياً هناك عدة أماكن تستعمل فيها المفاعلات النووية لتحلية المياه مثل اليابان والهند.

المملكة العربية السعودية لديها اهتمام بتكنولوجيا مفاعلات الوحدات الصغيرة ضمن رؤية المملكة 2030 لتنويع مصادر الطاقة، وقد وقعت عدة اتفاقيات مع كوريا الجنوبية والصين للتعاون في تطوير وبناء المفاعلات الصغيرة ونشرها في أماكن مختلفة من المملكة.

لا توجد في الوقت الراهن أي مفاعلات وحدات صغيرة قيد التشغيل التجاري، ولكن تم اختبارها تجريبياً ولا زالت هذه التقنية تحت الدراسة والبحث. وقد نحتاج بضعة عقود لنراها تزدهر، فهذه التكنولوجيا لها مستقبل واعد، فهي توفر طاقة نظيفة بوفرة وبموثوقية وبأسعار معقولة ومرنة، وبمخاطر منخفضة نسبياً.