عندما كتب الأسكتلندي روبرت لويس روايته الرائعة (الدكتور جيكل ومستر هايد)، كان يتحدث عن حالة الازدواج أو الانفصام للنفس البشرية، فقد كان الدكتور جيكل يدعي الصلاح والتقوى، ولكن في قرارة نفسه كان هناك شيطان يريده أن يخرج من رداء الفضيلة ويتدثر بعباءة الشهوات، أعتقد الدكتور جيكل أنه بتقمصه شخصية مستر هايد أن هذه الشخصية ستوفر له ملاذا للهروب من مثاليته التي يدعيها ووسيلة لإرضاء نزواته وشهواته.

وبين دوامة (الأنفس) المطمئنة واللوامة والأمارة بالسوء، أصيب دكتور جيكل بمرض الفصام وأصبحت له شخصيتان إحداهما (ظاهرة) تمثل الشخصية المثالية ذات القيم والمبادئ، وأخرى (باطنة) هي الشيطان في أبشع صوره، ذلك الشيطان الذي قتل الرجال ويتم الأطفال ورمل النساء ودمر الأوطان وذبح حمائم السلام.

إن رحم الجماعات الإسلامية هو رحم متقلب، فمرة يحمل بطفل نرى فيه علامات الصلاح والوقار، ثم بعد عقود من الزمن نراه وقد حمل رمحه برؤوسه الثلاثة وعاث في الأرض فسادا، ومرة يأتي إلينا ذلك الرحم بحاكم نراه خليفة يسترد أمجادنا الغابرة، ويجبر انكساراتنا المتكررة، ثم لاحقا لا نجده إلا هولاكو آخر أو نيرون يحرق روما وأهلها. إن رحم هذه الجماعات هو من جاء بالقاعدة وداعش وحزب الله وأنصار الله واتباع الخليفة المنتظر، وعليه فهو رحم خبيث ما أحوجه إلى العقم الذي يقطع نسله ويرحم الأمم من شروره.

كان الدكتور جيكل (الخليفة المنتظر) يهتم لأمر مستر هايد (الجماعات المتطرفة)، ويحيطه بعنايته لأنه متنفسه في الحياة العابثة، ولكنه كان يلقي عليه كل اللوم عندما يكون هناك نقد أو مساءلة، وفي المقابل فإن جيكل لم يكن يعني شيئا لهايد إلا أنه جسد يأوي إليه عندما يخاف من العقاب أو الموت.... كانت علاقة تعايش لبقائهما معا، فجيكل يوفر الغطاء السياسي والأمان لهايد ويبرر أفعاله، وهايد يوفر التوسع والتمدد لجيكل ويعزز قناعته في إمكانية استرداد الخلافة وأن يصبح الحلم حقيقة.

وحتى نكون منصفين فمستر هايد قد تلبس أشخاصا كثرا، قبل أن يستقر في جسد الخليفة فقد ظهر في الثورة الإسلامية للعام 1979، وظهر في أفغانستان والعراق وحاول تفجير الحرم الشريف، وتآمر مع القذافي وغيره، ولما ضاقت عليه السبل وحاصرته الأمم لم يجد خيراً من أن يلوذ إلى (دوحته)، وأن يستقر في جسد خليفته، ليعاود الظهور مرة أخرى في سورية وشمال العراق وليبيا.

في الرواية الأسكتلندية وضعت الشرطة حداً لخطر مستر هايد، بأن أطلقت عليه النار فمات ومات معه دكتور جيكل، وهكذا تم القضاء على الشر ومصدره، أما في رواية استرداد الخلافة فلقد تم قتل مستر هايد أكثر من مرة، وبعد كل اختفاء يستطيع هايد الظهور مرة أخرى!! ولم نستطع أن نضع نهاية لقصة (الإرهاب) لأسباب عدة، أهمها أن جيكل وهايد أصبحا جزءا من العملية السياسية، وكذلك فإن جيكل لا زال يحظى بتعاطف من بعض الدول والمؤسسات الدينية والمتطرفة، ما يجعل تصرفاته مبررة عندهم، كذلك عند اشتداد الخناق على الخليفة جيكل فسيتم التضحية بمستر هايد، كما تمت التضحية بالبغدادي والزرقاوي وقاسم سليماني.. ليعود بشكل آخر وبشخصية أخرى.