أقام محمود درويش (1941 - 2008) أمسية ببيروت بالتزامن مع أمسية أقامها أدونيس (1930 - حتى الآن) ببيروت أيضا، وحضر لدرويش جماهير وحشود وضاق عليه مكان الأمسية فنقلوها إلى الملعب الرياضي الكبير بلبنان، بالمقابل أدونيس لم يحضر له سوى 15 رجلا، ولكن عندما نعيد الحسبة بشكل أدق نجد أن أدونيس حضر له 15 أديبا، بينما درويش احتفى به العامة، وهذا وجه المفارقة بينهما، فمن أفضل؟

أرى أن الأفضل من يقدم نصا جيدا، فليس واجب عليه الترويج لنفسه بل تقع هذه المهمة على محبي الأدب بتببع الجميل منه وترك الرديء والمبتذل، وهذا يتطلب كثيرا وكثيرا من الجهد والكفاح بوجه كمية تلك النصوص من قبل القارئ، يزيح الغبار عن الروائع ويتركه يتكدس على التوافه.

ولكن لماذا ينتشر النص التافه إن كان تافها؟.. يقول الأديب علاء جانب ردا على تساؤل قدمته إليه، وهو لماذا يكون النص الجيد قليل الانتشار بينما النصوص الرديئة تروج بين العامة بكثرة، فقال «لغلبة الذوق الفاسد»، وحين يكون النص الجيد مرمي إلى الضياع بينما الآخر يزدهر لا نملك إلا التصديق بهذا الاعتقاد، ولو أننا نحسن الظن بمتتبعيّ الأدب حيثما وجد.

ما مميزات النخبوي عن الجماهيري؟ النخبوي يكون غامضا لا تملك أن تفهمه بلحظتها ولا تستطيع الاستشهاد به في أي موضع من مواضع حياتك، ولكنه نص يدعوك للتأمل بهِ والتوقف عنده طويلاً، خِلاف النص الجماهيري تكون من أهدافه أن يجري على ألسنة العامة ليلاً ونهارا، ويكون واضحا والرمزية لا تكون حاضرة بهِ كثيرًا.

وعندما يُذكر الشاعر الجماهيري يُذكر نزار قباني (1923 - 1998)، وعندما تذكر النخبوية يذكر أدونيس، ولنعرج على بعض النصوص ليتبين المعنى لكم.. يقول أدونيس:

أسمعُ صوتَ الزّمن: القصيدَهْ

يَدٌ هنا هنالك، القصيدهْ

عينان تسألانْ

هل أغلق النّسرين بابَ كوخهِ

هل فتح الإنسانْ

بوّابَةً جديدهْ؟

يَدٌ هنا هناك، والمسافَهْ

تَنوسُ بين الطّفل والضّحيّه

لكي تجيء النّجمةُ الخفيّه

وترجعَ الدّنيا إلى الشّفافَهْ

ويقول نزار قباني:

لماذا أهل بلدتنا؟

يمزقهم تناقضهم

ففي ساعات يقظتهم

يسبون الضفائر والتنانيرا

وحين الليل يطويهم

يضمون التصاويرا

أسائل نفسي دائماً

لماذا لا يكون الحب في الدنيا؟

لكل الناس

كل الناس.