يُمثل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الكويت الرقم الأصعب لما تبقى من التنظيم الدولي، المُصنّف «إرهابياً» على الأقل في منطقة الخليج، ما عدا الكويت وقطر. يتغلغلون في الدولة وجهاتها. لهم مساحة لا يُستهان بها في البرلمان الكويتي. يمارسون من خلال السياسة عملاً أقرب إلى خدمة أهداف الجماعة المارقة، أكثر من الدولة. يختبئون وراء أسماء حزبية مكشوفة لمراقب الحياة السياسية في الكويت. يعمدون لعرقلة عمل الحكومات المتعاقبة، في دولة كالكويت، يغلب عليها الطابع القبلي والمذهبي. اندماجهم في مؤسسات الدولة يمنحهم التأثير، ناهيك عن القوة المالية والاقتصادية التي وضعتهم في مُقدمة قوائم أعضاء الجماعة. يُمارسون سطوة القوة مع كل من يختلف معهم، بما في ذلك البرلمانات المتعاقبة بورقة الاستجوابات تارة، وأخرى بسحب الثقة.

تواجد أعضاء الجماعة في مواقع حساسة كـ«البرلمان والوزارات» وبمناصب رفيعة، يفرض على الحكومة نوعاً من التعامل الناعم. لا أريد وصف الأمر بـ«التناغم» كي لا أكون صاحب رؤية سوداوية. ولا ذا ذهنية تآمرية. لكن الواقع يتضح من مدى السطوة التي يمتكلها أعضاء التنظيم الدولي هناك. قد يقول قائل إنه من الذكاء أن تتعامل الحكومات والبرلمانات الكويتية المتعاقبة بوتيرة لا تقترب من الحدة، مع تنظيم الإخوان، باعتباره وفق رؤية البعض، يمثل النموذج السياسي الأكثر تغلغلاً في المجتمع الكويتي، والمصالح الحكومية. لا مشكلة مع هذا التصور. لكن ذلك يجب ألا يحجب الخطر، الذي يفترض السير وفق خطوات أكثر حذراً، مع جماعة مُجرّمة في الجارة الأكبر «السعودية»، ومصر الدولة التي تعتبر عمقاً للاستقرار العربي، والتي أطاحت بالتنظيم وفق إرادةٍ شعبية في يونيو 2013. وقبل ذلك سعت - أي الجماعة - للإضرار بالكويت، من خلال دفع الشباب المتحمس إلى ما سُميّ «ساحة الإرادة» بالتزامن مع وُصف بـ«الثورات العربية».

تفرض كتلة الجماعة ذات المسميات المختلفة في الكويت، وجود تفاهمات تتضح بين الحكومة والمنتمين للتنظيم. فالكويت ذات البرلمان المولود في خمسينيات القرن الماضي، كانت ملاذاً لتياراتٍ عربية تنبذها مُعظم المجتمعات العربية، أو قد تكون فرّت من استبداد دولهم. كالتيارات الإسلامية والعلمانية واليسارية، وبعض القوميات. وجود أصحاب تلك الآراء، حتى في حالة عدم امتلاك غطاءً سياسيٍ أو حزبي، كان ذا تأثير، لا سيما خلال الحقبة التاريخية التي شكّلت معالم الكويت، وبعض دول الخليج، ما عدا المملكة، التي لم تدع للحزبية أو القوميات مجالاً، منذ الدولة السعودية الأولى.

فالمملكة منذ حقبة الدولة السعودية الأولى، كانت واضحة المعالم. لا مجال للتحزب والانتماءات غير الوطنية. حتى الآن بعد مرور أكثر من 300 عام على نشأة الدولة، يتسيد مفهوم الوطنية. الوطن فوق كل شيء، وأعلى من كل شيء. وأكبر من أي شخص كان أميراً أو غفيرا. في السعودية حاكماً ومحكوما، الجميع يعيش وفق إطار نظام اجتماعي، يُنظم التناغم السياسي بين الدولة والمجتمع، يُعتبر امتدادا لدولة تضرب جذورها في أعماق التاريخ، مهما حاول المُرجفون التقليل من ذلك الإرث.

أعود لإخوان الكويت، وأجد أن بعض الأحداث التي طفت على السطح مؤخراً، لا سيما التسريبات التي جمعت أعضاء من التنظيم «جُلهم من الكويت» بالمقبور معمر القذافي، حتى وإن كانوا بدون قيمة ولا تأثير، وبصرف النظر عن أن التنظيم أصيب بمقتل، واختلطت أوراق من تبقى من الأعضاء ممن لا يزالون ينافحون بمشروع الخلافة الكبير، إلا أنها – أي التسريبات - كشفت من الناحية العدائية، سهولة استخدام الجماعة كورقة بيد أي نظامٍ مُعادٍ. ويتضح من استخداهم من قبل نظام القذافي، والنظام القطري والتركي، قبول أعضاء الجماعة بأن يكونوا «حصان طروادة» بيد حاكمٍ معتوه من الناحية السياسية، وذو لوثةٍ من الناحية الدينية، وهو الذي يعتمد الكتاب الأخضر بديلاً عن كل شيء. ربما حتى الكتب المقدسة. من هذا المنظور البسيط وعلى الرغم من اختلاف النهج الديني الخاص بنظام القذافي، مع مبادئ الجماعة، التي تضع الدين كما تزعم نبراساً لحياةٍ منشودة، يتضح زيف الشعارات الدينية التي تنتهجها جماعة الإخوان المسلمين.

يمكن القول بأن التسريبات أضرت بالقواعد الشعبية للجماعة. على الأقل في منطقة الخليج «والكويت» بوجه الخصوص. فحتى وإن كان أعضاؤها في الكويت يملكون القدرة والملاءة المالية، إلا أنهم بحاجة كبرى للمؤيدين والقواعد الشعبية. ولا يملك القوة البشرية بالنسبة لأعضاء التنظيم إلا «إخوان مصر» الذين أطبقت عليهم أجهزة الدولة. بخلاف ما يمكن أن يتصوره البعض حول إمكانية أن يحل ما بقي من إخوان سورية والأردن، وتركيا محل إخوان مصر. فإخوان سورية يُعانون الشتات وشُح الموارد، وحلّت الحكومة الأردنية الجماعة واعتبرتها فاقدة للشخصية القانونية والاعتبارية. وأما تركيا وفق ما أرى فلا يمكن التعويل على قواعد التنظيم «من الأتراك». لا سيما وأن علمانية الدولة في الشكل الظاهر، ورأس ماليتها في التوجه، يحول أمام وجود قواعد شعبية، بالحجم الهائل في مصر والخليج ودول عربية أخرى. من هذا المنطلق استعان النظام التركي وقبله تنظيم الحمدين في «شرق سلوى» بثلة من الفارين من أوطانهم، واستقروا في قطر وتركيا وتحولوا إلى مطايا بيد نظامين يعانيان من انفصام سياسي.

تعتقد الجماعة أن المجتمعات العربية بالسذاجة التي من الممكن أن تُنسيها تاريخاً أسود. من يعود إلى أقل عدد من صفحات تاريخ التنظيم سيدرك مدى السوداوية التي تحكم ذلك المشروع برموزه وقواعدة «الواضحة والمندسة». فتاريخهم الذي يقوم على المؤامرات يُعيد نفسه. فقد تحالفوا في أربعينيات القرن الماضي مع الملك فاروق، وقتلوا حينها إثنين من رؤساء الوزارء في حقبة ملك مصر «محمود فهمي النقراشي – أحمد ماهر باشا». وتحالفوا مع جمال عبد الناصر وحاولوا اغتياله. وقتلوا أنور السادات بعد أن أخرجهم من السجون. وحكموا مصر عاماً واحداً وتآمروا مع الخارج ضد بلادهم وباعوا مصالحها. وفي الخليج وقفوا مع النظام العراقي في غزو دولة الكويت.

بالمحصلة يتضح أن الحالة التآمرية والعدائية ضد أنظمة الحكم في الخليج ومصر، التي يتصدر واجهتها رموز الإخوان في الكويت، ماهي إلا شكل من أشكال المنهجية التي تسير وفقها الجماعة منذ ولادتها، حتى اليوم. تلك المؤامرات ما لم يتم تجريم المتكفلين بالقيام بها بالشكل المناسب مع حجم خطرها، فلن تسلم منه أي دولة في المنطقة. وعلى رأسها الكويت. فإخوان الكويت يمثلون الوجه والتوجه الحقيقي للجماعة. التزلف باسم الدين من أجل التخريب. فهم «خناجر مختبئة خلف ابتسامات كاذبة».