«وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق». ها هو موسم الحج يعودنا بشكل مختلف عن كل عام، كان الملايين من المسلمين يتوافدون على أرض الحرمين من كل بقاع الأرض، تلبية لنداء الرحمن ولأداء الركن الخامس من أركان الإسلام.

حج مختلف وبعدد قليل جدا من حجاج بيت الله.. فهل هو موسم لنا فيه كدولة قفزة نجاح تحسب لنا كما اعتدنا في المواسم السابقة..؟

وهل سنعلق على صدر الإنجاز والمسؤولية وساما جديدا يضاف إلى غيره من أوسمة إدارة وتسهيل وضبط جميع جوانب أكبر تجمع بشري على وجه الكرة الأرضية؟

لن أكتب عن الأمر بقلب مواطنة سعودية فخورة بوطنها عاشقة له.. سأكتب بقلم كاتبة مسلمة كان من مخططاتها أن تؤدي فريضة الحج هذا العام قبل أن يطل علينا كورونا بسطوة حضوره، فأجبرنا كما أجبر كل العالم، على اعتبار التجمعات البشرية جريمة في حق الصحة والسلامة، من يستهتر به تطاله سياط غضبه، لتضربه بلا شفقة ولا رحمة! ولنا عبرة وعظة في تجارب دول أخرى، تهاونت في احترام انطوائية الفايروس وخصوصيته التي يفرضها علينا كي يأخذ وقته، ثم يمضي بحال سبيله ويتركنا بأمان.

لذلك، ومن منطلق السلامة والحفاظ على الأرواح، كان قرار قصر موسم الحج هذا العام على عدد محدود جدا من البشر، الذين يسكنون أرض المملكة العربية السعودية، قرار حكيم جدا وذو حس عال جدا بالمسؤولية.

فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود).

من خلال هذه الآية الكريمة ندرك أن من أهم شروط الحج المحافظة على بيت الله الحرام ومناطق الشعائر، لتكون آمنة لقاصديها من عباد الله كما أمر الله، وذلك حفاظا على سلامتهم الصحية وسلامة أرواحهم، وهذا ما وضعته المملكة العربية السعودية بعين الاعتبار.. حيث عملت الدولة -حفظها الله- بكامل مؤسساتها على مواجهة الجائحة بأقل الأضرار لنا كوطن وللعالم ككل، باعتبارنا جزءا منه، عملنا بكامل طاقاتنا وما زلنا نعمل لنحتوي الأزمة بأقل ما يمكن من الخسائر التي مهما حاولنا أن نضيق مساحتها إلا أنها خسائر فادحة أثرت في جوانب كثيرة، ومع هذا كان الهدف الرئيس الذي يمشي بطريق مواز لطريق القضاء على الجائحة، هو مصلحة المواطن والمقيم أولا وأخيرا، لذلك فمن غير المنطقي أن ينسف كل هذا الجهد بعد أن سيطرنا بعون الله وقدرته ورحمته، ثم بوعي القيادة والمسؤول والمواطن والمقيم، ليس من المنطق أن ننسف جهد أشهر طويلة من العمل المرهق ليضيع في موسم الحج الذي جعل الله لنا فيه رخصة في إيقافه عن الخطر، حفظا لأرواح المسلمين وإيثارا لمصلحتهم العامة التي هي من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، لذلك يمكن أن نعتبر أن محدودية حجاج هذا العالم والذين يكون المقيمون على أرض هذه البلد الطاهرة 70 % منهم، شاهد نجاح لموسم هذا العام، وإنجاز جديد من إنجازات هذا الوطن العظيم، حيث استطاع الجمع بين إقامة شعيرة الحج بأعداد محدودة جدا، مع إجراءات صحية مشددة لضمان سلامتهم، نضيف إلى ذلك الحيادية التامة في اختيار الحجيج، حيث يتم ذلك من خلال البوابة الإلكترونية من غير اعتبارات تميز أحدا عن آخر، مع التنسيق بين الجهات المعنية والمسؤولة لإحكام جوانب الأمن والسلامة الواجبة مع توفير الاحتياجات الصحية والتموينية والأمنية كافة، التي تخدم حجاج بيت الله.

هذه هي المسؤولية، وهذه هي الإنسانية التي ينبض بها قلب هذا الوطن ولا عزاء لكل من يحاول الاصطياد في ماء الحقد العكر، الذي اعتدنا على نشاز صوته، وسط تغاريد نجاحات المملكة العربية المبهرة مع موسم الحج كل عام.