أذكر في عام 2009 أي قبل أكثر من عشر سنوات تحديداً أثناء دراستي الماجستير في مدينة نيو كاسل الأسترالية، قررت أنا ومجموعة من زملائي وهم ثويني الشمري وعبد الله بالأجهر القحطاني، أن نقضي عطلة نهاية الأسبوع في مزرعة استأجرناها مع عوائلنا. توجهنا إلى المزرعة التي حصلنا على معلومات عنها من خلال موقع على الشبكة العنكبوتية وهي تحوي كوخين أحدهما للعوائل، والآخر للرجال.

أثناء الاستمتاع بالرحلة خلال يومين قابلنا صاحب المزرعة ومعه زوجته، لنطلع على ما تحويه تلك المزرعة من خنازير - أكرمكم الله- وطيور وحتى ثعابين كنوع من الجذب لاستئجار تلك المزرعة، وإذا بولدهم ابن الستة عشر عاما، تقريبا يظهر.

بادرت بسؤال الأب عن الابن وتعليمه وهل يعيش معهم في المزرعة التي تبعد عن المدينة ما يقارب المئة كيلو؟ فأجابني، نعم يعيش معنا. بعدها بدر إلى مخيلتي سؤال مفاده، وماذا عن تعليم ابنكم؟ ليرد عليّ الأب، أن تعليمه يتم عن بعد! أصابني الذهول والدهشة، وقلت في نفسي كيف يتم ذلك؟ صحيح أن الشبكة العنكبوتية متوفرة ولكن كيف التحصيل العلمي يتم من خلال التعليم عن بعد. أكمل لي الأب حديثه، أن ابنه يجري الاختبارات أيضاً عن بعد، ولكن لا بد من وجود كاميرا لدى الابن لكي يراقبه الأستاذ.

طوال تلك السنوات وأنا أفكر في هذا الموضوع، عوضاً عن أنني كتبت مقالات عن هذه النقطة، بعنوان الفصول الافتراضية، وكذلك الانتساب المطور. أما اليوم، بعد خوض تجربة التعليم أو التدريب عن بعد في تخصصي اللغة الإنجليزية، فلا يسعني في هذا المقام إلا أن أنوه لبعض النقاط التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في مستقبل الأيام عند إقرار التعليم عن بعد، عقب جائحة كورونا التي اجتاحت العالم بأسره مما اضطر العالم لأن يستعمل الشبكة العنكبوتية في كثير من أمور حياته بما في ذلك التعليم.

بعد خوض تجربة التعليم عن بعد للفصل الصيفي الحالي، اكتشفت أن بعض المسؤولين يؤمن بالكم وليس الكيف، لكي يتباهى به في الإعلام من خلال لغة الأرقام فقط.، نعم الأرقام دون جودة ودون مراقبة فعليه لما يتم من قبل الطالب ومدى تحصيله العلمي مهما كان نوعه. الهدف هو الإعلان عبر مواقع التواصل والإعلام عن عدد من تم تدريبهم أو تعليمهم عن بعد. ليكتب بالخط العريض مؤسستنا عملت أو دربت أو درست (بشد الدال)، ما عدده عشرين ألفا أو مئة ألف أو أقل أو أكثر، والهدف كما ذكرت فقط لغة الأرقام بعيدا عن الجودة.

من هذا المنطلق وبعد تجربة يسرني أن أوجه رسالة لكل مؤسسة تعليمية بأن تفرض على الطالب إيجاد كاميرا في جهاز الحاسوب ليتسع للأستاذ أو المدرب مراقبة الطالب في أي لحظة. ومعرفة مدى استعداده للمحاضرة، وهل حضرها فعلا أم أنه وقت المحاضرة كان في مجلس زملائه يرتشف الشاي ويتبادل أطراف الحديث معهم، وربما قد يكون في الصناعية يصلح سيارته، للأسف وهو ما حصل معي، ويشهد الله على ذلك. كل ذلك يتم عبر تطبيق للجوال والذي يجب عدم السماح به ومنع استخدامه لكيلا يكون للطالب مجال استعمال جواله وهو في المحاضرة. بل يجب عليه تجهيز نفسه ذهنياً قبل كل شيء، وبدنياً من خلال مكان مناسب للتعليم.

قد يقول البعض، إن بعض الطلاب غير قادر على امتلاك جهاز حاسوب بسبب عدم قدرته المالية، ليسمح لي من يملك مثل هذه الفكرة بالقول لا أظن منزلاً من منازلنا اليوم لا يحوي جهاز حاسوب بين أفراد العائلة، هذا أولاً.

الشيء الثاني والأهم، ينطبق هنا المثل الذي يقول "المهتوي يقطع المستوي"، أي لو كان حريصاً على التحصيل العلمي لعمل المستحيل من أجل توفير جهاز حاسوب له يتعلم من خلاله.