في مقال سابق نشر هنا بعنوان (متى ستشعرون أن أحوالنا أحوالكم)، ذكرت فيه كيف أن الأحوال المدنية تحولت من مبدأ خدمة المراجع إلى خدمة العميل، وأصبح من يذهب إليها يشعر وكأنه يذهب إلى جهة ربحية تحافظ على رضا العميل بأي ثمن، مقابل المحافظة على أرباحها، بينما الأحوال المدنية تقدم كل هذه الجودة في الخدمة وبشكل مجاني ولهدف غير ربحي.

أما اليوم فسأذكر قصة حدثت أمام عيني، إذ كنا في الانتظار لدى حارس البوابة الخارجية في أحد فروع الخدمة المدنية بمنطقة ما، وكان ذلك يوم الخميس الذي يسبق إجازة عيد الأضحى المبارك والتي تمتد لأسبوعين، وكان الجميع في انتظار انتهاء وقت الصلاة للدخول مجددا لتلقي الخدمة في هذا الفرع، وحضر أحد الموظفين ليتفهم احتياجات هؤلاء المراجعين قبل دخولهم للفرع لتوجيههم لما يسرع من إجراءات حصولهم على الخدمة المطلوبة، وبادر بسؤال أحد المراجعين (آمرني وش بخاطرك؟).

فرد عليه هذا المراجع (بخاطري أنني قطعت اليوم والأمس مسافة تزيد على 450 كيلو مترا ذهابا وإيابا، وأنا لدي بطاقة احتياجات خاصة ومعي تقارير طبية تشير إلى تسهيل مهمتي في أي مكان تقديرا لظروفي الصحية) والتفت هذا المراجع إلى أحد المراجعين الآخرين والذي كان يرتدي زيا صحيا وقال له كلمات ومصطلحات وأرقاما ليظهر على وجه هذا الممارس الصحي نوع من التعجب عن حالة هذا المراجع، وأكمل المراجع الأساسي حديثه لهذا الموظف (والسبب أنني أحمل وكالة شرعية عن والدتي تخولني باستلام هويتها الوطنية المجددة بدلا عن هويتها المنتهية بسبب أزمة كورونا، ولم تسمح لي موظفة القسم النسائي بذلك بسبب أنها ترى أن الوكالة لا تخولني بذلك رغم أن الوكالة تنص على إنهاء جميع الإجراءات والتواقيع نيابة عن و.... و.... والاستلام والتسليم وكل ذلك مرفق معه نصا «وما يخص وزارة الداخلية» والموظفة لم تقبلها، ومدير الأحوال يقول لا سلطة لي على القسم النسائي ويمنع أن أتواصل مع مديرتهم) ولأن هذا المراجع يحمل كل ما يخص والدته «السبعينية» من بيانات أبشر وجوالها، حاول الموظف أن يساعد هذا المراجع بعمل هذه الوكالة عن طريق أبشر ولم تتم هذه العملية بسبب خلل في النظام لم يعرف سببه، فقام الممارس الصحي هذا رغم أنه لا يعرف المراجع ولكن تقديرا لظروفه الصحية بالموافقة بأن تقوم تلك الوالدة بتوكيله بدلا عن ابنها الذي لم يقبله النظام ولم تقبله الموظفة رغم كل ما يحمله من دلالات على أن والدته تريد منه أن يستلم بطاقتها بدلا من أن ترافقه في الـ 450 كيلو مترا هذه.

وذهب هذا المراجع وهذا الممارس واستلما البطاقة فقط تقديرا بينهم للظروف الإنسانية وبعيدا عن بيروقراوطية الموظفة ومشاكل النظام التي كادت أن تبقي هذه «العجوز» بلا بطاقة لمدة أسبوعين بلا سبب واضح.

السؤال هنا: لماذا لا يكون هناك خط ساخن يتصل المراجع به في حال كانت هناك تعقيدات مشابهة لما حدث، ويتم تحديد استحقاقه للخدمة من عدمها فورا أسوة بـ 937 لوزارة الصحة، ويكون مصرحا لهذه الموظفة وزملائها بالتواصل مع مستشار قانوني في الوزارة قبل أن «تفتي من رأسها» ليحدد هل كانت هذه الوكالة تسمح بهذه الخدمة من عدمها أسوة بالبنوك وغيرها، وحتى لا يتكرر هذا المشهد فـ (على الأحوال أن تقدر الأحوال).