المتأمل في مسيرة الرئيس التركي الحالي رجب طيب إردوغان في رئاسته للدولة التركية يجد أنها شديدة الشبه بمسيرته طوال سنوات حياته المتقلبة، ولم تتغير طريقة تفكيره منذ مرحلة بيع البطيخ والليمون في بواكير حياته - ولاعيب في ذلك من زاوية كسب العيش الكريم -، ولكنها أي تلك المرحلة قد تساعدنا في معرفة وفهم طريقة قيادة هذا الرجل لدولة مثل تركيا، تملك مقومات واسعة للنجاح بعيدا عن أساليب إردوغان المبتذلة، والتي يمارس فيها أساليب التلاعب، والتزوير، والوصولية في الكثير من ممارساته وقراراته، لخدمة أجنداته المختلفة محليا ودوليا، ويكفي للناظر تأمل تآمره على البترول العراقي خلال أزمة داعش والمتاجرة به بأبخس الأثمان ليدرك ويفهم سلوكه الحالي في ليبيا، التي جعل همه الأساسي الحصول على بترولها، وأموال الشعب الليبي من البنك المركزي، ولو كان الثمن قتل وتشتيت شعب بأكمله، مقامراً بحياة الناس من أجل مكاسب مادية غير أخلاقية، ولكن أنى له الأخلاق وهو الذي خان جميع من سانده عند أول خلاف، والقائمة تطول بداية من معلمه وقائده أربكان، مرورا بعبدالله غول، ولن يكون الأخير فتح الله غولن الذي يبحث عن رأسه ويزج بجميع مناصريه في السجن.

إننا عندما نلتفت للسياسة الدولية لإردوغان، نجده يتعامل مع الملفات السياسية القلقة والإستراتيجية بطريقة بائع التجزئة، فهو لا يعالج قضايا كلية بذلك الفكر الإستراتيجي المعتمد على معرفة حقائق القانون وقواعد السياسة الدولية، بقدر ما يتعامل بفكر بائع البطيخ والليمون البسيط، الذي يتعامل مع الأمور اليومية والعادية، وإن تحسن تفكيره قليلا لم يتجاوز فكر لاعب كرة القدم الهاوي، كما هو حال إردوغان عندما كان لاعبا أقل من العادي في نادي قاسم باشا، حيث كانت المنافسة محدودة والتحديات غير معقدة، ومن ثم كانت المعالجات تفتقر إلى المخيلة الواسعة والمبدعة، حيث يركن أبناء هذه الأندية كثيراً إلى الحلول الفردية والاعتماد على الحظ في تجاوز المشكلات، ولأن الرئيس التركي وليد مرحلة الهواة تلك، فإنه يعتمد على أسلوب المقامرة معتمدا على الأماني والحظوظ لينقذ نفسه من تلك المزالق التي أوقع نفسه فيها مع شعبه والعالم.

إن الرئيس التركي يحتاج للكثير من الأدوات ليعيد بناء شيء من الثقة بينه وبين العالم، ولعل أولى هذه الأدوات قراءة التاريخ والواقع بصورة جيدة وتحليل الأمور من زاوية المصالح البعيدة والقريبة، دون إهمال معرفة نقاط القوة والضعف لديه، ومعرفة حدوده وحدود الآخرين، دون المبالغة في تقدير قوته أو تأثيره حتى لا يجد نفسه خارج ترتيبات المرحلة القادمة، خاصة وهو يوشك أن يكون كذلك في ظل اندفاعه غير المحسوب إقليميا ودوليا.