في الوقت الذي ما زال العالم يشعر بالحيرة لتفسير ذلك الانفجار الضخم الذي دمر بيروت، وأزال كل بقايا وملامح الجمال، واغتال كل الأحلام والآمال في وطن لبناني مستقل، يعيش بإرادته ويتنفس حريته ويلفظ طائفيته ويتحرر من أوهام الثورة الخمينية. فاجأتنا الأخبار العالمية بالتحول عن هذا الحدث الضخم، والانشغال بقضية تقاعد القط بالمرستون من منصبه الدبلوماسي.

وبالمرستون هو قط يعمل بوزارة الخارجية البريطانية على وظيفة بمسمى كبير صائدي الفئران، وهو على خلاف دائم مع قط داوننغ ستريت والذي يدعى لاري، وقد تمت رؤيتهما في عدة مرات وهما يتشاجران ولا تعرف أسباب الخلاف.

إلا أن القط لاري ورغم الخلاف قام بإرسال بطاقة لبالمرستون يتمنى له فيها تقاعدا سعيدا.

ولمن يحب متابعة القط الدبلوماسي، تفيد الأخبار بأن له حسابا على منصة تويتر وأكثر من 150 ألف متابع. والعجيب في الأمر أن طلب التقاعد كان في خطاب رسمي على أوراق وزارة الخارجية، وموجه لوكيل الوزارة. طبعا قد يكون الخبر فيه نوعا من الفكاهة، لكنه لم ولن يؤثر أبدا في رصانة الدبلوماسية البريطانية.

الدبلوماسية هي التي تعكس الصورة الحقيقية لكل بلد، وتساهم في تحقيق مكاسبه وتقدمه، وتجنب الوطن في أحايين كثيرة الويلات والخراب. ونحن نتحدث هنا عن رزانة ودبلوماسية القطط، نتذكر رعونة وطيش (الدبلوماسي جبران) الذي رفض إدانه الهجوم الآثم على أرامكو، ووضع لبنان في موقف محرج أمام مصداقيته ومواقفه، وكان ولاؤه لإيران ونصر الله أكبر من ولائه لضميره وعروبته، بل أكبر من لبنان الوطن الذي عاش على أرضه وتلحف بسمائه، ولكنها الطائفية المقيتة التي تغتال الأوطان وتقتل الإنسان.

لبنان منبع الأدب والثقافة، لبنان الذي أنجب فيروز والرحابنة. لبنان الذي لبس أكاليل الورود وعاشت فيه حمائم السلام وأينعت فيها أغضان الأرز، غدا نهباً لأهل الغدر أصحاب العمائم.

لبنان الذي كان مقصد كل محب للحياة وباحثٍ عن الفرح، أصبح هشيماً تذروه الرياح، وتشبع أرضه بدمٍ يخفيه التراب.

لبنان الذي مرض وهان عليه الموت بعد أن ذهبت كرامة المسؤول وأصبح ديدنه السكوت.

لبنان الذي ذبحت فيه حمائم السلام وكست سماءه آلاف الغربان والبوم. لبنان الذي أصبحت بساتينه شوكاً مسموماً ووروداً ذابلة لا حياة فيها. لبنان الذي غدا يصحو كل صباح على ألسنة اللهب وصراخ الموتى. كل هذا بسبب حزبٍ مقيت باع الوطن والقيم، وبسبب خائن آثم خان التراب والعهد والقسم.

بعد 15 عشر عاماً من اغتيال الرئيس الحريري الذي كان يحلم بلبنان آمن ومستقلٍ وحرٍ في إرادته، وما تبع اغتياله من تصفية لشرفاء آخرين، أصبح من الصعب أن يتم تسجيل كل عملية اغتيال ضد مجهول، فالقاتل معروف وعلى العدالة ألا تتأخر أكثر من هذا، ويجب على شعب لبنان العظيم أن يرفض التنازل عن معرفة الحقيقة، فالاغتيال لم يعد قاصراً على اللبنانيين الشرفاء، وإنما امتد ليغتال لبنان الوطن والحلم.

فهل يستمر هذا الشعب المغلوب على أمره في السكوت؟ أم تكون ثورة كرامة تطرد المحتل، وتصادر سلاح الحزب، وتحاكم عمائم الخراب.