خلال الأيام الماضية انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي مقطع لسيدة من دولة شقيقة قامت بغضب شديد بتحطيم مجسمات لرموز دينية اعتقدت أنها سيخية أو هندوسية تباع في متجر اعتاد كثير من الجالية التي تنتمي لهذا المعتقد على ارتياده ..! وقبلها بفترة قامت سيدة من أبناء وطني بتعطيل مكبرات صوت كانت تذيع أغاني في متنزه عام لاقتناعها أن المعازف مزامير الشيطان وأن الغناء محرم شرعا، وفي كلتا الحالتين اتخذت الجهات المسؤولة إجراءاتها تجاههما.

فهل نلوم من قام بالفعل أم نبحث فيما وراء ردة الفعل هذه لنصل إلى الخلل الذي يجب أن يعالج كي لا تتكرر هذه التصرفات أو تتفاقم ؟

هذا الأسلوب كان من الممكن أن يعتبر بطولة في زمن مضى عندما كانت المجتمعات وخاصة مجتمعاتنا الخليجية التي لم تتعود تعدد الأديان في مجتمع واحد حيث إننا كلنا ندين بدين الإسلام، أضف إلى ذلك أن الجاليات التي كانت تعيش على أراضينا كانت غالبيتها لا تحرص على ممارسة شعائرها الدينية في العلن لأن الزمن لم يكن زمن الانفتاح والمطالبة بالحريات والحقوق، أضف إلى ذلك أن التشريعات القانونية خاصة في المجتمع السعودي كانت تعاقب كل من يجاهر بممارسة طقوس ديانته في العلن، إضافة إلى أن هناك جيلا كاملا تربى على أن تغيير المنكر باليد هو البطولة التي تجعل من صاحبها بطلا تتعطر سيرته وترتفع مكانته في المجتمع بالقدر الذي تطول به يده ويعلو صوت لسانه لتغيير ذلك المنكر، أما من فضل تغيير ما استنكره المستنكرون بقلبه فهو الأضعف والأقل حسنات وأجرا حتى وإن كانت أدواته الحكمة والموعظة الحسنة، إذا فالمشكلة مشكلة قناعات مترسخة يجب أن تفتت لنصل إلى التعايش السلمي الذي هو من أساسيات الدين.

لو ألقينا نظرة سريعة وليست مفصلة على خارطة الديانات، ولو حصرنا عددها في العالم لوجدناها قاربت الـ 4000 ديانة بتقسيمات متعددة، فتحت كل دين هناك مذاهب وطوائف وكيانات دينية وثقافات عقائدية متعددة، الدين الإسلامي والمسيحي واليهودي والهندوسي والبوذي هي أكثرها تأثيرا حيث ينتمي لهذه الديانات 75% من سكان العالم، أما من حيث الأكثر انتشارا فالمسيحية التي يشكل معتنقوها 31% والإسلام الذي يشكل معتنقوه نسبة 24% من سكان العالم هم الأوسع انتشارا.

مع هذه الديانات المتعددة، والتغيرات العالمية السريعة والمذهلة، ومع زيادة الوعي بالحقوق وما يتعلق بها وما ينادي به العالم من تعايش سلمي بين البشر تذوب كل جوامد الدين والعرق والتميز والعنصرية في وعاء تشريعاته الإنسانية والقانونية والحقوقية، ليصبح احترام الأديان والبشر والأعراق والثقافات رغم اختلافها مطلبا عالميا تعمل كثير من الدول على سن تشريعات صارمة تجاهه، مع الاحتفاظ بحق كل واحد في الدعوة لدينه بما يشاء من طرق مادامت تحترم معتقدات الآخر وإنسانية دون أن تسلب منه حق الاختيار.

كمسلمة ولله الحمد وكامرأة أعتز جدا بديني وانتمائي له مع احترامي وتقديري لكل الأديان الأخرى، أرى أن الإسلام أكثر دين احترم حرية الانتماءات الدينية، يكفيني فخرا أن إسلامي جاءت من دين اختار الله له اسم الإسلام الذي هو من السلام، ومن السلام وإليه تنبع كل تشريعات هذا الدين العظيم، لو تدبرنا في القرآن الكريم وقرأنا أحاديث رسولنا الكريم وتأملنا فيها لوجدنا أن دين السلام رسم إليه واضحة للدعوة إليه واستقطاب البشر له بسلم وأخلاق وحب وموعظة حسنة، بل إنه احترم اختيار الإنسان في آيات كثيرة، لذلك وتحقيقا لمبادئ الإسلام السمحة التي نساها أو تجاهلها أو لم يفهمها البعض، فتقبل الآخر واحترام معتقده واجب، في نفس الوقت من حقنا أن نكون دعاة للإسلام بأخلاقنا وحسن تعاملنا واحترامنا للآخرين وبفتح لغة حوار مبنية على الحب والتأدب والتقبل.

ما يجب أن ندركه أن كل إنسان مهما كان دينه فهو يعتز به ويذود عنه بكل غال لديه، كما نحب نحن المسلمون ديننا، وكل منتمٍ لدين يتمنى أن ينتشر دينه كما نحب نحن، وأن الحياة بيت بشري كبير يستوعبنا ويستوعبهم، وأن (لكم دينكم ولي دين) آية تختصر ألف كتاب في الحقوق والواجبات فبالنهاية، الله أمرنا بتعمير الأرض بسلام وإنسانية ورحمة بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى تهدم البناء وتنشر الكره والدمار، وعند الحساب يوم الحساب كل نفس بما كسبت رهينة وثوابها وعقابها عند الله وحده.