-1 جاء في المقال أن شد الرحال لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره لم يصدر فيها منع، بل ولم يصدر منع شرعي في شد الرحال لزيارة قبر من هم دونه.
وأقول: بل صدر المنع من النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)، ولم يقل (وقبري)، ومعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يُدفن في مسجده، بل دُفن في بيت عائشة رضي الله عنها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، وقال (إن للَّه ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) فحيثما كان المسلم فإن صلاته على رسول الله تبلغه فيرد عليه السلام، لحديث (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)، فمن كان عند قبره عليه الصلاة والسلام أو بعيداً عنه فإنه يسلم ويصلي عليه، ولا حاجة لشد الرحال، وهكذا قبور المسلمين فإنها تزار بدون شد الرحال، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)، وقال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)، فالهدف من زيارة القبور تذكر الآخرة، والدعاء للأموات، وابتغاء الأجر والثواب من الله.
-2 جاء في المقال: أنه يُطلب الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبره، لكونه حياً في قبره روحًا وجسدًا.
وأقول:
نبينا عليه الصلاة والسلام قد مات، لا شك في ذلك، قال تعالى (إنك ميت وإنهم ميتون)، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبدالله فإن الله حي لا يموت، ثم قرأ قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...}.
وهو بموته عليه الصلاة والسلام انقطع عمله لقوله ﷺ: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... الحديث) وهو عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب، ولا يعلم أمور أهل الدنيا، ففي الحديث المتفق عليه - يقول عليه الصلاة والسلام -: «يذاد رجال يوم القيامة عن حوضي فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد» وهذا نص أنه لا يدري عليه الصلاة والسلام، وأما حياته عليه الصلاة والسلام في قبره، فهي حياة برزخية، لا يعلم كيفيتها إلا الله سبحانه، وليست من جنس حياة أهل الدنيا، فحياته في الدنيا تختلف عن حياته البرزخية في القبر، وحياته البرزخية عليه الصلاة والسلام أكمل من حياة الشهداء التي أخبر الله عنها سبحانه بقوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل اللَّه أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون}، ومع هذا فلا يطلب منه عليه الصلاة والسلام ولا من الشهداء ولا غيرهم من الأموات شيئا، بل طلب شيء من الأموات شرك، وقد قال تعالى {والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. * إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}.
ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يطلبون من النبي عليه الصلاة والسلام في حياته أن يدعو الله أن يسقيهم، فلما مات عليه الصلاة والسلام لم يذهبوا إلى قبره ويطلبوا أن يدعو لهم، بل طلبوا من عمه العباس أن يدعو الله وهم يؤمنون، ولو كان طلب الدعاء أو الاستغفار من النبي عليه الصلاة والسلام مشروعاً وهو في قبره، لفعله الصحابة رضي الله عنهم، فهم أفقه الناس، ففي البخاري أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم- أي: بدعائه- فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا- أي: بدعائه - فاسقنا» قال: فيسقون.
وقد علم الصحابة رضي الله عنهم أن قوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللَّه واستغفر لهم الرسول لوجدوا اللَّه توابا رحيما) مختص بحياته عليه الصلاة والسلام - أي: استغفار الرسول لمن جاءه - لأن السياق وسبب النزول يدلان على ذلك، فالاستغفار من الرسول لا يكون إلا في حياته، وأما بعد موته فإنه لا يطلب منه شيء، بل ذلك شرك، وإنما يطلب من الله وحده لا شريك له دون اتخاذ وسائط، قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) وقال تعالى: {فلا تدعو مع الله أحدا}.
3 - الإسلام دين يسر وسماحة، ولو جاز لكل أحد أن يضيف إلى الدين ما يستحسنه برأيه وعواطفه وهواه، لتحوّل الدين إلى آصار وأغلال، وهذا ما نهى عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، فالدين يسرٌ، وقد أكمله الله، وما لم يكن ديناً في زمان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه لا يكون بعده ديناً.