تعددت واختلفت أساليب التباهي والتفاخر بين الناس باختلاف الأجيال والأزمنة والأفكار. وغالبا ما تكون مقومات هذا الاستعراض تتماشى مع مستجدات العصر من ملبس أو مركب أو نمط معيشي معين. إلا أن الآونة الأخيرة أفرزت نمطا جديدا وغريبا من أدوات التباهي ألا وهو (الاستعراض بعد الإصابة بالمرض أو أي حادثة سلبية). فلا يكاد يتصفح أي شخص إحدى شبكات التواصل الاجتماعي، دون أن يجد من يعلن إصابته بمرض ما، أو حدث محزن أصابه، والأبرز في هذه الفترة إخبار المتابعين بالإصابة بفايروس كورونا.
وحتى تكتمل تلك الحكاية الدرامية من المشهد الاستعراضي، تبدأ أولى فصول ذلك الاستعراض عند توثيق حالة الفحص، ومن ثم البحث عن استدرار مشاعر وتعاطف الآخرين، بأن يجعلهم يعيشوا معه لحظات الترقب بانتظار النتائج، وقد يكتمل المشهد الدرامي، ويصبح تحت دائرة الضوء حينما تصبح النتيجة إيجابية، وهو ما قد يبحث عنه حينما حاك ذلك المشهد الدرامي. لا تتوقف حدود هذا الاستعراض عند ذلك، بل إن الكثير منهم يوثق يومياته، ويعطي المتابعين مستجدات الحالة مع صبغة درامية حتى لا تبتعد عنه هالة التعاطف التي تسولها بامتياز، ويستمر في ذلك حتى تشافيه.
هذه ظاهرة لها ارتدادات عديدة على الشخص. فالبحث عن التعاطف ومحاولة كسب شفقة الآخرين أمر يستوجب الوقوف عنده كثيرا. حيث يؤكد الباحثون المختصون في علم النفس، أن ذلك السلوك يمارس كتعويض لنقص عجز عن
إكماله في تحقيق إنجاز مهني، والتعبير عن الذات بطريقة مناسبة. وهذا ما حدث بالفعل عندما أصيب البعض بهذا الفايروس، فقد وجدها فرصة مواتية لصناعة بطولة وهمية عجز عن تحقيقها على أرض الواقع، في ميدان عمله أو محيطه الاجتماعي بشكل عام، فوجد في ذلك الفايروس الذي يحظى باهتمام إعلامي عالمي فرصة للفت الأنظار. رغم أنه قادر على كسب أنظار الآخرين والتعبير عن ذاته من خلال الاهتمام بنفسه، ومن تطويرها بما ينعكس إيجابا على محيطه وعمله، وهذا سيجلله محط أنظار الآخرين دون تعاطف، أو ابتذال، بل من واقع منجز فعلي حققه.
تكمن المفارقة في أن ما يحدث من الأمور الإيجابية والمفرحة في حياة الشخص نفسه، تكون ردة فعله على النقيض تماما، بل إنها تحظى بأقصى درجات الكتمان والسرية حتى لا يعرفها الآخرون. بعكس ردة فعله عندما يصاب بسوء، ما يعزز مفهوم (تسول الاهتمام).
إن هذه الظاهرة لم تقتصر على المصابين بفايروس كورونا أو الذين تعرضوا لأي وعكة صحية فحسب، بل تنسحب وتتمدد بكل المجالات تحت شعار كيف أجلب تعاطف الآخرين نحوي.
ولا شك بأن حالة شحذ التعاطف والاهتمام ليست وليدة اللحظة وإنما لها جذور تاريخية، غير أن الذي ساهم في نموها وتضخمها مؤخرا هو تزايد استخدامنا لشبكات التواصل الاجتماعي، في التعبيرعن ذواتنا، وتوثيق يومياتنا، بالإضافة إلى اختلاف خصائص كل شبكة، مما قد يعطي حالة الاستعطاف المنشودة أشكالا متعددة. فبمقدور الباحث عن التعاطف أن يكسب ذلك نصياً أو عبر صورة، أو حتى من خلال محتوى مرئي، فكل تلك الشبكات تخدم هدفه الرئيس.
وتذهب هذه الحالة إلى منزلقات نفسية أخرى، حيث تعيش صراعا داخليا بين محدودية التفاعل، وبين أن يتصنع بأنه ضمن باقة المشاهير، فيكون تعاطيه مطابقا لحال أولئك المشاهير من حيث السلوك أو حتى الصيغة المستخدمة في تعاطيه، وكأنه يوهم متابعيه المحدودين بأن جموع أنصاره متفاعلين معه. وحينما لا يجد ذلك التفاعل المنشود أو الذي توهمه، يصاب بحالة اكتئاب شديدة، بل الأخطر حينما يبدأ في إلقاء اللوم على الآخرين، بأنهم لم يتعاطفوا معه، أو يقارن نفسه بحجم التفاعل الذي حظي به أحد المشاهير حينما تعرض لذات الحالة.
وبالتالي من الممكن أن يأخذ مواقف عدائية أو خصومة تجاه آخرين بحجة عدم التفاعل معه.
هذه الحالة قد تستمر وتتطور إلى أن تصل لحدود «الإدمان الاستعطافي»، وبالتالي فهو يستمرئ الفعل ويكرره مرارا، ولكن باختلاف الرواية، ولهذا حينما يرى الآخرون هذا التعاطف والتفاعل المهول والنجومية المصنوعة بابتذال، فإن أعداد الباحثين عن التعاطف ستزداد. وإذا كانت «الغاية تبرر الوسيلة» فالبحث عن الشهرة تبررها الدراما المصنوعة.​​​​​​