دائما ما يتناهى إلى مسامعنا بعض التساؤلات الجدلية التي تدور حول دور المعلم، وما إذا كان هو الوحيد الملقى على عاتقه بناء أدوات الطالب المعرفية، والمسؤول عن مستواه التعليمي، دون التطرق والتساؤل عن دور الأسرة في ذلك. فقد تتحول فورا حالة فشل طالب ما عن إتقان المهارات المطلوبة منه، وتدني مستواه الدراسي، إلى نقاش حول المعلم وحدود دوره، ثم ما نلبث في نهاية الأمر، أن يصبح المعلم هو المسؤول والمتهم الأول، من وجهة نظر اجتماعية.

لكن بعض المعلمين، ومن خلال حديثي معهم، لديهم وجهة نظر مختلفة، ويرون، وربما هذا هو رأي كثيرين أيضا، أن للأسرة دورا مكملا لما يقومون به داخل الصف الدراسي، وأن مجهودهم تجاه الطالب لن يكتمل دون مجهود الأسرة في المنزل. وإذا ما كان دور المعلم داخل الصف الدراسي، خلال خمسة وأربعين دقيقة المتاحة له، هو المحافظة على هدوء الطلبة داخل الصف الدراسي وأثناء سير الحصة الدراسية، فضلا عن حيازة انتباههم، وإيصال الفكرة والمعلومة إليهم على اختلاف قدراتهم الذهنية، فإن دور الأسرة في المنزل، هو ضمان عدم ذهاب مجهود المعلم سدى.

هذا في السابق، حيث كان دور الأسرة لا يقل أهمية عن دور المدرسة تجاه الطالب. أما الآن، وبعد أن أعلنت وزارة التعليم عن آلية الدراسة، وأصبحت دراسة الطلبة في منازلهم عن بعد، فمن الطبيعي أن يتعاظم دور الأسرة، إذ أنها ستحل مكان الجميع تقريبا، مع وجودهم أيضا، ولم تعد المدرسة مسؤولة عن الطلبة طوال ساعات الدراسة، ولا المعلم مسؤولا أيضا عن غير ما يظهر له في الشاشة التي أمامه، وبهذا تدحرجت الكرة الآن نحو ملعب الأسرة، الأمر الذي يجعل لزاما عليها توفير أجواء مدرسية للطالب، خاصة التهيئة النفسية والذهنية عقب الإجازة الطويلة، إضافة إلى التحلي بطاقة المعلم التي كانت مستنزفة في جوانب عدة في السابق، علاوة على تحمل المسؤولية عن مستوى الطالب الدراسي بلا شك.

لقد غيّرت هذه الظروف غير المسبوقة بعض الحدود التي لم تكن واضحة أصلا بين الأدوار في السابق، وبات المعلم الآن بعيدا عن الطلبة عمليا، متفاعلا معهم بطريقة غير مباشرة، وانحصر عمله في عرض شرح مسبق للدرس من خلال التقنيات الحديثة ومنصة خاصة بوزارة التعليم، وما عدا ذلك فإنه يقع على عاتق الأسرة لا محالة.

من جانبٍ آخر، وعلى ضوء هذه التغيرات والآلية الجديدة للدراسة عن بعد، فإن دور المعلم سوف يتقلص كثيرا، ويكاد ينعدم الفارق الذي كان يلاحظ بين قدرات معلم وآخر، وذلك من شأنه في المستقبل القريب، رغم أنه مؤقت، أن يغيّر ربما التساؤل الجدلي عن حدود دور المعلم، ومسؤوليته عن مستوى الطالب الدراسي، ليصبح التساؤل هذه المرة ليس عن دور المعلم أو الأسرة، بل عن إمكانية الاستغناء عن الوظيفة التقليدية للمعلم.