عندما يجلس إنسان صغير على كرسي كبير يحس بالفراغ الشاسع فيحاول أن يملأه بالحركات المدروسة والإيماءات المصطنعة وبالعبارات المطاطة الغامضة التي تعني كل شيء ولا شيء، ومع هذا يبقى الإنسان الصغير صغيراً. عندما يجلس إنسان صغير على كرسي كبير ينتابه هلع شديد من أن يرتكب خطأ يؤدي إلى قلعه من الكرسي، فهو يفكر ألف مرة ويتردد ألف مرة ويتراجع ألف مرة قبل اتخاذ أبسط القرارات، يسلم الإنسان الصغير من الخطأ ويتوقف العمل ويظل الكرسي الكبير ثابتاً، ويظل الإنسان الصغير صغيرا.

عندما يجلس إنسان صغير على كرسي كبير يخاف أن يكتشف الناس الفرق المضحك بينه وبين الكرسي فيحتجب عن الناس ويختفي وراء المعاملات المعطلة، ويتعامل مع الدنيا بأسرها عن طريق «التسلسل الإداري»، يختفي الإنسان الصغير عن الناس ولكنه يظل صغيراً.

عندما يجلس إنسان صغير على كرسي كبير، تعمى عيونه عن رؤية الأشخاص الحقيقيين فلا يرى من حوله سوى الكراسي، فهو أبداً في حالة تزلف شديد للكراسي الأكبر، واحتقار شديد للكراسي الأصغر، أما البشر بعواطفهم وصداقاتهم وحرارتهم وأحزانهم، فلا مكان لهم في هذا العالم المسحور الذي تسكنه الكراسي.

عندما يجلس إنسان صغير على كرسي كبير لا يطيق أن يرى حوله إلا من هو أصغر منه وعلى كرسي أصغر من كرسيه، وشيئاً فشيئاً يرتحل الكبار وعلى عيونهم نظرة اشمئزاز، ويتضاعف الأقزام بكراسيهم الصغيرة، يصبح صاحبنا أكبر المجموعة التي حوله، ويصبح كرسيه أكبر الكراسي، ولكنه – وا أسفاه – يبقى إنسانا صغيراً.