إن المبتكرات الحديثة والتحديثات المصاحبة لتطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي، تسير في خطى متسارعة وبشكل يفوق أي تطور يصاحب أي مجال. والكثير منها ما إن يدخل في حيز أذهان المستخدمين حتى تعقبه تقنية وأدوات جديدة مما يصرف الأنظار عما كان يسبقها بشكل سريع جدا. فكما أن من خصائص تلك التطبيقات التفاعلية والسرعة، فإن التقنيات المصاحبة لها انتقلت لها ذات العدوى وباتت هي الأخرى سريعة جدا.

بالنظر لتلك التحديثات والمبتكرات نجد أن بعضها لم يكتب له النجاح أو الرواج المأمول منها، وقد يعود ذلك إلى حالة الانطباع أو التعايش الأولي للمستخدمين مع تلك الشبكات. لم يكن هذا النمط من عدم التقبل السريع للمبتكرات وليد اللحظة، بل لو عدنا بعقود طويلة إلى الوراء لوجدنا أن الكثير من تلك التطورات ارتطمت بحاجز الرفض، وكثير من تلك المخترعات سارت بخطى متعثرة في بدايتها، وتطلبت وقتا طويلا حتى يتقبلها الناس مثل الطائرات وغيرها.

وعند الحديث عن التحديثات المصاحبة للتطبيقات نجد أن تجربة تويتر الأخيرة حينما أضافت التغريدات الصوتية لم تحقق النجاح المأمول أو أنها ضاعفت أعداد المستخدمين للشبكة -حتى الآن-، بل كان الإقبال عليها ضعيفا جدا لدرجة الندرة. وهذا ما يعود بنا لنقطة التكييف مع المبتكرات والمستجدات من قبل المستخدمين مع تلك الشبكات وخصائصها، فقد شعروا من تلك التحديثات أنها قد تخرج التطبيق من إطاره وخصائصه التي اعتادوا عليها.

غير أن فرص نجاح الخاصية لا تزال قائمة لو تم توسيع نطاق الفئات المستخدمة الذي قد يعيد تشكيل الوهج لها، بأن يتم استهداف الشركات بإضفاء خاصية الصوت للترويج للمنتجات بشكل نوعي، لتعطي نافذة ابتكارية جديدة تسويقية، وكذلك الحال حسابات وسائل الإعلام يمكن أن تكون إحدى مستهدفات الخاصية من خلال وضع نشرات صوتية إخبارية، لتكون وجبة إعلامية مميزة وسريعة الهضم لمحتواها. بالإضافة إلى أن البعد الإنساني يمكن أن يعطي نمطا آخر من جماهير تويتر، لا سيما فئة المكفوفين الذين سيجدون من تلك الخاصية موادا مناسبة لهم سواء كمرسلين أو مستقبلين.

الكماليات لبعض المبتكرات والأجهزة نالها ما نال تحديثات الشبكات من حيث صعوبة التأقلم والرفض من بعض المجتمعات، فأين «عصا السلفي» مثلا في دول الخليج؟ بل حتى على مستوى العالم استخدامها محدود وتقلص أكثر بسبب التعقيد من حيث الحمل والتنقل، كما أنها تخرج فكرة (السلفي) من عفويته، بالإضافة إلى أنها قد تشكل خطرا يصل لحدود الإخلال بالأمن. حيث أصبح يمنع دخولها في أماكن كثيرة مثل أغلب الملاعب الرياضية والمتاحف ومدن الألعاب، بل إن كوريا الجنوبية أعلنت الحرب عليها ومن يستخدمها يسجن!

أما فيما يتعلق بنظارة سنابشات التي انطلقت كاختراع في 2016 والتي تتيح لك خاصية تصوير مقاطع الفيديو من خلال النظارة نفسها، %0.08 فقط من مستخدمي هذا التطبيق اشتروها! ومئات الآلاف من أزواج نظارات بقيت حبيسة المستودعات. بل إن دراسات وأبحاث الشركة للمستخدمين الذين اقتنوها وجدوا أن 50% منهم فقط استمر باستخدامها. ويعزو البعض فشل هذا الاختراع لكون الحملة الإعلانية كانت أكبر بكثير من قيمة المنتج الفعلية والإضافة التي سيقدمها. حتى لعبة بوكيمون التي أحدثت ضجة كبيرة في غالب المجتمعات عند نزولها بما فيها مجتمعنا، خاصة أوساط المراهقين، تلاشت فورة ووهج اللعبة بعد فترة وجيزة من نزولها!

وبتأصيل هذه الحالة علميا نجد أن نظرية انتشار المبتكرات لصاحبها إيفرت روجز عالم الاجتماع الأمريكي والتي تناولتها بشكل مفصل، حيث تم تجزئة المتقبلين للمبتكرات الجديدة على أربع فئات، في مقدمتهم المستخدمون الأوائل، وهي أسرع الفئات استخداما وتقبلاً للأفكار الجديدة، ويغلب على سلوكهم الانفتاح على الآخرين وتقبل الاختلاف، ثم تتبعها فئة الغالبية الأولى التي تتطلب وقتا أطول لتقبل الفكرة وتشربها مقارنة بالفئة الأولى. وتعد فئة الغالبية المتأخرة ثالث تلك الفئات وهي التي لا تتقبل المبتكر إلا بعد تقبل الغالبية له، وهي فئة تتسم بالشكوك حول أي مخترع جديد، خوفا من الخروج عن التقليدية، وتعتبر فئة المتأخرين آخر تلك الفئات، وهي التي تتخوف من أي جديد حتى دون معرفة تفاصيله، وهي الفئة الأكثر تمسكا بالعادات والتقاليد.

وبشكل عام، يختلف تقبل الناس للمبتكرات واستمرارهم باستخدامها بحسب الوقت والحاجة وعوامل اجتماعية وغيرها.