بعض العقليات لا تثبت قدرتها وفعاليتها إلا في مجال التعليل والتسويغ والتبرير لأفعال الجرائم وإلحاق الضرر بالآخرين وللإجرام على مبرراته التي يدافع بها عن أفعاله القبيحة أمام الرأي العام والمحاكم. وهذه المبررات الواهية تمارسها الدول المارقة عند اتهامها مباشرة، أو للاعتذار عن نتائج كارثية، كما حدث مع إصابة الطائرة المدنية من قبل الجيش الإيراني.

عبر التاريخ البشري كانت أكبر مشكلة تعاني منها القيم والأخلاق هي قدرة عقول الإجرام على تبرير الأمور الجسيمة والشنيعة. والذين يبرعون في التبرير قد يستطيعون التهرب من مسؤولية التقصير والادانة، ولكنهم يتناسون تلك الأرواح البريئة التي ستظل تطاردهم حتى في منامهم. وتزداد حالة الإنكار للأفعال الشنيعة حين تكون تلك الدول في حالة عزلة عن محيطها ونبذ من أقرانها ووضوح ومكاشفة لها بجرائمها.

الأسبوع الماضي تناولت وسائل الإعلام خبر تمويل دولة للحوثي بالصواريخ التي تستهدف المملكة العربية السعودية، بل وتلك التي توجه مباشرة إلى بيت الله الحرام، ولنا أن نتخيل أي حقد وأي كراهية تستدعي مثل هذا التصرف الإجرامي!! دولة كنا نعدها جارا وجزءا من خليجنا ونسيجنا، دولة لم نبخل عليها بالعطاء والغفران لكل الزلات والأخطاء السابقة، دولة ما زلنا نحب ونقدر شعبها، ذلك الشعب الذي نجزم عدم رضاه عن قيادته التي انسلخت من نسيجها الخليجي والعربي والإسلامي، وارتمت في أحضان وأحلام الثورة الإسلامية واسترداد الخلافة ومولت كل الحركات الإخوانية التي دمرت الشعوب وفتكت بأحلام وسلام تلك المجتمعات. إن تلك الدولة التي احتضنت كل عناصر التخلف والرجعية والحقد والكراهية والمنبوذين من مجتمعاتهم ودولهم. أصبحت مناخا خصبا للأفعال الإجرامية بل «ومنبرا لمن لا منبر له» لتبرير تلك الأفعال.

إن الهجوم المستمر الذي تمارسه تلك الدولة وقناتها على المملكة ومصر والإمارات والبحرين ليل نهار، لا يعكس إلا ضعفا وهشاشة، فالأقوياء لا يشتكون ولا يبررون ولا يفجرون في الخصومة، ولا يلتفتون إلى الوراء بل يمضون في سبيل راحة ورقي شعوبهم بكل فخر واعتزاز.

ومما لا شك فيه أن ما تعيشه هذه الدولة من معاناة وخوف وقلق وضغط نفسي، له سببان الأول مؤثرات داخلية، فالشعب بدأ يدفع ثمن هذه العزلة ويعاني من هذه التصرفات ويسأم من محاولات التبرير السخيفة. والثاني، مؤثر خارجي، فالدولة الصغيرة لم تصبح صاحبة القرار أو السيادة، فالفقيه والخليفة لهما نصيب كبير من ذلك القرار حتى القرار المتعلق بمستقبل المواطن البسيط.

إن إدمان الإنكار والتبرير للأفعال الإجرامية يعطي دليلا على الدونية والشعور باحتقار الذات. كما أن الإفراط في ذم الآخرين هو دلالة على الخلل التي تعاني منه تلك العقليات المستأجرة التي فقدت المهنية والأخلاق.

يغيب العدل والإنصاف وتندثر الإخلاق وتذهب القيم عندما يحاول الإعلام المأجور إظهار الخطر الحقيقي للعروبة والإسلام على أنه الأمل في استرداد الأمجاد ويرفعه إلى مستوى الأساطير. وفي المقابل يقوم ذلك الإعلام بسبب البغض والحقد بشيطنة الذين خالفوه الرأي وجعلوا قضايا شعوبهم ونهضة مجتمعاتهم وحماية أوطانهم هي الأولوية والخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه.