كان صغيرا جدا، حجم العود يكبر صدره ‏النحيل، فأطلق عليه لقب «الطفل المعجزة».‏

عرف كفنان باسم محمد السراج، بيد أن اسمه الحقيقي هو (محمد إبراهيم المطوع). ولد وهو المنتمي لأسرة تعود جذورها لمنطقة القصيم عام ‏‏1954 في المنطقة الغربية، وقضى حياته متنقلا بين مكة وجدة والطائف التي شهدت في أواخر الستينات ‏الميلادية، إطلالته الفنية الأولى، حيث ملتقى الفنانين ‏في بساتينها وروابيها وسط نسائِمها العليلة.

إحساس دافئ

في منزل والده الشهير ذلك الوقت بكنية (أبو نجيب) نسبة لابنه نجيب الأخ ‏الأكبر لمحمد، كان دائما ما يلتقي الفنانين، فقد كان والده شاعرا متذوقا ‏للفن، كتب معظم أغاني ابنه محمد، الذي كان يستقي من ‏الفنانين الذين يأتون منزل والده، مهارة العزف والغناء، لا سيما أنه كان ‏يملك صوتاً جميلاً وإحساسا دافئا يتناغم معه.

مدرسة أبو نجيب

منزل (إبراهيم المطوع) كان بمثابة مدرسة فنية متكاملة تخرج فيها عدد من الفنانين أمثال طلال مداح وعمر كدرس.

فقد شجع أبو نجيب، طلال مداح على دخول الإذاعة وقت كان طلال يتهرب خوفاً من الوقوف على مسرح الإذاعة أيام فرقة طارق عبدالحكيم الموسيقية، حينما ذهب طلال لمبنى الإذاعة وتردد في صعود المسرح وعاد إلى الطائف دون أي مشاركة، استشار مجموعة من المقربين له ومنهم أبو نجيب، الذي أخذه بسيارته لمبنى الإذاعة ودفعه لكي يقدم أول أغنية، فبدأت مسيرة طلال مداح، وهو الشيء نفسه الذي حدث لـ (عمر كدرس) وغيرهما من الفنانين.‏

إيقاع الخيالي

بدأ أبو نجيب في رعاية موهبة ابنه محمد السراج، يكتب ‏له كلمات الأغاني ويعطيها للملحنين، فغنى في تلك الفترة ‏من ألحان داود هارون وغنى لـجميل محمود أغنية (على العموم ‏مشكور). يقول جميل محمود، إن ‏السراج زاره برفقة والده ذات ليلة وشعر بجمال صوته ومدى عشقه للإيقاع الخيالي فقدم له أغنية (على العموم مشكور)، ‏وتبعتها أغنية (زي الهوا والماء)، وغيرها من الروائع الجميلة، إضافة إلى ‏ألحان أخيه نجيب السراج.‏

هيمنة

حقق محمد السراج نجاحاً كبيراً ونافس عدداً من نجوم ‏الغناء المحلي، أُذيعت أغنياته بشكل مكثف بالإذاعات ومنها أغنية (يا ناس ‏من العُذال) وغيرها، وكان أكثر التصاقا رحمه الله بالملحن محمد ‏شفيق في فترة دراسته بالقاهرة، والذي لحن له أشهر أعماله مثل (غدير ‏البنات) من أشعار إبراهيم خفاجي، بينما شكل عبر ألحان أخيه الأكبر نجيب السراج وكلمات أبو نجيب، ثلاثيا فنيا كبيرا وهاما، هيمن على عطاء ‏الغناء الحجازي في فترة ما.‏

فرصة ضاعت

الأمير طلال بن منصور بن عبدالعزيز ومحمد شفيق كانا ‏أصدقاء لمحمد السراج وقدماه لصديقهم المشترك ‏‏عبدالحليم حافظ ليشاركه الغناء في إحدى حفلاته، ولكن لصغر سنه ‏وعدم خبرته وقلة تجربته مقارنة مع خبرة عبدالحليم، رفض وضع اسمه بخط صغير في إعلانات ‏الترويج للحفل ورفض الغناء، وأضاع على نفسه فرصة كان يمكن أن تضع اسمه في قائمة كبار فناني العرب.

لكنه رغم ذلك شارك ووقف عدة مرات على مسارح القاهرة وغنى مع أشهر الفنانين العرب مثل وردة الجزائرية ونجاة الصغيرة.

رقاص يا حمام

الموسيقي وعازف الكمان حسين الأهدل قال، إنه اجتمع كثيرا ‏بمحمد السراج، عندما كان السراج يأتي إلى الرياض للمشاركة ‏بمسرح الإذاعة والتلفزيون، وكان يذهب إلى المعهد الموسيقي بالأمن العام، ‏وكان يجتمع مع الفنان داود هارون في أجمل الأعمال، حيث غنى في ‏تلك الفترة أغنية (رقاص يا حمام)، وهي من أغانيه القديمة، كما قدم أغنية (لا ‏تحايلني) من ألحان فوزي محسون وكلمات ثريا قابل.‏

غنى محمد السراج من ألحان سراج عمر أغنية (هذا ‏القمر اللي تحبون) من كلمات الأمير محمد العبدالله الفيصل ‏وأغنية (أسمرو ولا سرينا) كلمات عبدالله الجارالله، كما غنى من ‏ألحان محمد شفيق (هذا جزاي) من كلمات محمد العبدالله الفيصل، وأغنية (أنت ترا على بالي) من كلمات ‏‏مصطفى زقزوق و(حماك الله) من كلمات صالح جلال، أما مع الشاعر ‏محمد صالح نوار فغنى (أهلا بالخالد) عام 1980 ‏بمناسبة عودة الملك خالد بن عبدالعزيز يرحمه الله من رحلة علاجية، وغنى ‏للملحن سامي إحسان الذي رافق بداياته في جدة، ومنها أغنية (نجاح) من كلمات أبو ‏نجيب.‏

ولعوني الحبايب

الكاتب الراحل محمد صادق دياب قال عنه في مقال «في ‏مقهى على ضفاف النيل بالقاهرة، التقيت به صدفة بعد سنوات من الانقطاع، ‏ومسحت حزنا دفينا كسا وجهه، وهو الذي عهدته باسماً مرحاً مشرق الثغر ‏على الدوام، يومها تحدث كثيرا عن الظروف التي رافقت مسيرته الفنية ‏وحالات الإحجام والإقدام التي تنتابه بين التوقف والاستمرار، وكان السؤال ‏الذي يزيد من تردده في العودة إلى الساحة الفنية هل ذاكرة المتلقي لم تزل ‏تحتفظ حتى وقت لقائه بفنان اسمه (محمد السراج)؟، وتباعدت بيننا الخطى ‏بعد ذلك من جديد، حتى فاجأني قبل أيام خبر رحيله في العيد بعد معاناة ‏طويله مع المرض، ليشعل موته في داخلي صورته صغيراً، يحتضن عوده ‏وصوته يتعالى ببراءة الأطفال مغنياً ولعوني الحبايب ولعوني».‏

ابتهالات

رغم كل النجاحات التي حققها محمد السراج، إلا أنه اعتزل الغناء ‏نهائيا، وابتعد عن الساحة الفنية، على الرغم من أنه كان من أقوى ‏الأصوات وأعذبها رحمه الله. أعفى لحيته وقدم ألبوما للابتهال الديني (بالدفوف فقط)، حيث لحن هو وغيره هذه ‏الأعمال بعنوان (توبتي) حوى ابتهالات من أشعار الشافعي وتاج الدين ‏نوفل ومحمد المقيرن)، قدمت عن طريق (‏الإتقان للإنتاج الفني).

نسمة رقيقة

في العيد رحل الفنان السعودي ‏‏محمد السراج بصمت، ولم يتنبه لرحيله كثير من الصحف التي باعد بينها وبينه ‏غيابه الطويل عن ساحة الفن، وهو الذي كان مؤهلا لأن يكون أحد أقطاب ‏الأغنية السعودية، لولا أن الحظوظ العواثر رافقت مسيرته الفنية، فأدت لاختفائه، ثم رحيله عن عالمنا في 2008، بعد أن ‏مر على الحياة كنسمة رقيقة ومضى.‏