إن العبارات الملتبسة التي تجعل كل فريقٍ فرحاً بما لديه تجعلنا نكتنز العبارات المراوغة والمخادعة التي تعظّم خطوط البين، بين التي تحاصرها الخشية حتى تجعلها تخاف السير في النور، لأن الجميع متربصٌ هناك يبحث فيما وراء الكلام ومابين السطور، ولذلك حينما يأتي من يقرأ ملامح الحرية ويبجلها ويصغي لحديثها الفاخر، يأتيك من يقرأها عهراً وانسلاخاً ويغلق أمامها كل فضاء. وحين الحديث عن السلام وضروراته وأن الحياة ليست حياة بدون سلام، تجد من يقرأ تلك الحالة عبر تقديم الإرهاب وعنتريات المواجهة الفارغة مسفهاً لكل ما عداه. وبذلك أصبحت المصطلحات هي حديثنا وهدفنا، وبنينا عليها الأحكام، وحددنا على ضوئها من (منّا) ومن الذي يقع خارج دائرة الأمان (عنّا) وما علينا سوى القراءة لمصطلحات العلمانية، والليبرالية، والسلفية، وغيرها من المصطلحات حتى تجد العيون تتسع، أو تضيق دهشةً، أو موافقةً، احتجاجاً، أو فرحاً بما سيقال.

إنّ حديث اللغة الذي تصغي له أفئدتنا مشحون بالكثير من الأحكام المسبقة التي تصنع الحيز الذي ننتمي إليه، والجنة الموعودة التي نبشر بها كل من يتفق معنا وما للآخرين سوى جحيم الإقصاء والرجعية والخسران. إنّ القراءات المتقابلة المحشوة تهماً وشكاً وتسخيفاً تقتل الأمل في داخلنا وتشيعنا إلى مثوى هو جحيمٌ للكل، حيث لا جنةّ فيما أعتقد مع تلك الحال، فالجميع خاسرون ولن يبق هناك أحدٌ سيتحدث بحالة وجود أو عدم، بل سيكون العدم هو سيد الموقف في جميع الاتجاهات ولجميع المتباينين.

إنّنا اليوم كمن يجلس على تل ووجهه للصحراء وظهره للعالم، فهو يبصر مساحةً من الفراغ يعبث فيها خياله بترهات لا تسكن سوى مخيلة بليدة أصابها فقر الزوايا التي هاجر منها النور ولم يبق فيها سوى الإعتام.. إننا نحتاج للثقة فقط لنتجاوز حالة الشك في أنفسنا ومن حولنا، وما لم نتخط هذا الوضع وإلا فلن يكون أمامنا سوى حافة الغياب عن مسرح التأثير والحضارة، وهو أمر لا يليق بمن يحمل رسالة السماء.