ولدنا وكبرنا وعشنا حيوات كاملة وفلسطين وشعبها قضية كبرى توارثناها أجيالا من بعد أجيال، القدس بصخرة المعراج وأرض الأنبياء لها في قلوبنا مكانة بعمق المسافة بين تلك الصخرة والسماء التي عرج منها سيد الخلق في ليلة إسرائه، حب فلسطين ومشاعر الأخوة التي تسكن قلوبنا تجاه هذه الأرض المقدسة، وكل من يحمل لنا النوايا البيضاء من شعبها الشقيق الذي عشنا وتربينا وتآخينا مع كثير منهم، سواء هنا على أرضنا وسط حضن خليجنا الذي كان لهم أرض المعاش والملاذ بعد الله، أو من خلال المسؤولية التي لم نقصر بها يوما حكوماتٍ وشعوباً، بدعمنا المعنوي والمادي منذ بداية القضية إلى يومنا هذا، وإلى أن يكتب الله لها الحل، كل هذه مشاعر صادقة لم نمن بها يوما أو نصعر خدنا لفلسطين أو الفلسطينيين تفضلا أو تعاليا، تفاعلنا معهم كان وما زال تفاعلا غير مشروط بزمان ولا مكان ولا سن، تغذينا على حب القضية الذي رضعناه مع حليب أمهاتنا اللواتي تغذين عليه من أمهاتهن، وإحساسنا بمسؤولية المؤازرة والمشاركة والدعم من آبائنا وأجدادنا الذين كانوا لنا القدوة في عدم الشعور بالفرح، إن لم نشاركه مع إخوتنا الفلسطينيين، فكان الأجداد والآباء يتفاعلون مع القضية بأرواحهم لمن شارك في الحروب، وبأموالهم لمن حارب بالمال وهو في وطنه، منهم تعلمنا أن التبرع بجزء من مصروفنا اليومي هو السعادة الكبرى، والريال اليسير الذي كنا نراه غزيرا ارتبط عندنا خيالا بصورة طفل فلسطيني طرف الحرمان عينه فذرفت دمعا حزينا أبكانا، تعاطفا معه إلى درجة أننا كنا نرى ببراءة طفولتنا، إن ذلك الريال أو الدرهم أو الدينار اليسير سيتحول إلى منديل فرح نمسح به حزنه، متى ما أودعناه حصالات التبرع التي تصب في خزائن منظمات السلطة الرسمية لتوزعه على الشعب.... ولكن..!

مجتمعاتنا البسيطة آنذاك والإعلام التقليدي الذي لا يستطيع عرض أكثر من الصورة العامة للقضية من خلال إطار منظمات السلطة في فلسطين، دون أن يرينا تفاصيل تفاعل الشعب تجاهنا جعلنا، نصدق أننا قلب واحد ينبض من أجل قضية واحدة، ولكن الزمن بكل ما فيه من تغيرات ومتغيرات جعلنا نصدم بمشاعر لم نكن نتخيلها يومنا من فئة ليست قليلة من الفلسطينيون.. وأعود وأكرر جزء من الفلسطينيون وليس كلهم، بدأت هذه الصدمة من مواقف خيانة كثيرة رأيناها ممن سكنوا وعاشوا معنا في اوطاننا خلال حرب الخليج الثانية، صدمنا ولكننا تجاوزنا لأن طيب وأصل أخلاقنا وأخلاق أصحاب النوايا الصادقة من الفلسطينين جعلنا نتجاوز ذلك وننسى، ولكها كانت اللدغة التي جعلتنا نستيقظ بعد سبات الثقة الذي كنا غارقين به فأصبحنا نحبهم ولكن بحذر يجعلنا كشعوب نتأمل وندقق في تفاصيل علاقاتنا وتبرعاتنا ومواقفنا، اما حكوماتنا فهي هي مواقفها ثابتة في الإحساس بالمسؤولية والدعم في كل اتجاه، وهكذا مرت السنوات إلى أن وصلنا إلى زمن الفضائيات ومنابر الإعلام الجديد بكل منصاته التي تحولت إلى مكب نفايات لبراكين الأحقاد التي كانت خامدة ثم ثارت وأصبحت تقذف حمم الكره غير المبرر. مواقفنا من القضية الفلسطينية كحكومات وشعوب خليجية ثابتة لا تتغير، ما تغير فينا هو أننا كنا نتعامل معها بالعاطفة التي تقودها المشاعر والآن أصبحنا نتعامل معها بالعقل الذي تقوده المصالح دون المساس بالثوابت، صدقنا وتحملنا وأعطينا وضحينا وأثرنا كثيرا والقضية هي هي لا ملامح لحلها الآن، القضية نفسها تحولت عند أصحابها إلى منظمات وأحزاب وفصائل ودول داخل دولة، حاولنا التقريب والإصلاح ودفع الفواتبر بالنيابة عن الأطراف المتنافسة ولكن بلا فائدة.

حاربنا، قاطعنا، بذلنا ما نستطيع وأكثر مما نستطيع والنتيجة الضغط علينا نحن فقط، أما هم فكيف يرفضون كامب ديفد ويرضون بوارسو..! ما المبرر لتأييدهم لصدام وتدخلهم في لبنان..! لماذا يرتمون في أحضان إيران وتركيا ويطعنون في الخليج وأهله...!

مللنا تطاولهم علينا وعلى قادتنا ورموزنا بحمم حارقة تعقبها أحيانا اعتذارات واهية، مللنا غنى كبارهم وتضخم ثرواتهم من أموال تبرعاتنا على حساب شعب يحملنا مسؤولية فقرهم دون أن يحاسب قادته، مللنا ونحن ننتظر منهم التعاون من أجل حل هم لا يريدونه لأن بعضهم وليس كلهم أصبح تعليق الحل يصب في منفعته.

ختاما، أنهي مقالي من حيث بدأت، فلسطين قطعة من القلب، شعبها أهل لنا وإخوة، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، إلا من عادانا وجاهر بكرهنا فهو ليس منا ولا يربطنا به ود ولا تعاطف.