اللغات الإنسانية هي وسيلة للتواصل، هي سبيل لنقل الخبرات الحياتية لبعضنا البعض، وهي المكون الذي يتم استخدامه للحفاظ على الثقافات. فبها نستكشف الماضي ونتشارك رؤيتنا للمستقبل.

صحيح أن اللغة وسيلة في أغلب حالاتها، ولكنها في ذاتها قد تكون غاية أيضاً، فباللغة تنظم القصائد وتكتب الروايات والقصص، وبها يتم إنتاج كم كبير من الفنون التي تضفي على الحياة البشرية مزيدا من الجمال.

النصوص البشرية التي نتداولها وخصوصاً الأدبية منها يتم بناؤها على قواعد وأسس لغوية تجعلها تنفرد عن غيرها. هذا ينطبق على اللغة العربية كما ينطبق على اللغات الأخرى. لذا فالتدقيق اللغوي يعد من أهم مراحل الإنتاج الأدبي.. التدقيق اللغوي في أبسط صوره هو التأكد من خلو النص من الأخطاء الإملائية، ويتدرج ليصل لمرحلة التأكد من سلاسة العبارة ووضوح المعنى.

حاول الذكاء الاصطناعي أن يلعب دوراً في عملية التدقيق اللغوي، فنجد في عدد من البرمجيات التي نستخدمها تنبيهات تدلنا على وجود أخطاء إملائية في النص الذي نكتبه. التنبيه عن الأخطاء الإملائية يتعدى كونه مؤشرا على عدم وجود الكلمة المكتوبة في قاعدة بيانات البرنامج، إلى كونه خوارزمية تحاول معرفة الكلمة التي كان المستخدم يرغب في كتابتها لتعطيه مقترحات عن الكلمات المشابهة.

تعود أبحاث الحاسوب في مجال التدقيق اللغوي إلى التسعينيات، وما زالت إلى هذا اليوم تعد من أصعب مسارات الأبحاث العلمية، ومن أحدث الأبحاث في مجال التدقيق اللغوي هو ما نشره فريق بحثي بقيادة البروفيسور الاسكتلندي ألان بلاك (Alan Black) بجامعة كارنقي ميلون الأمريكية (Carnegie Mellon University) عن استخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال اللغات. حيث حاول الفريق البحثي استخدام خوارزمية تدعى «BERT» وذلك في مجال التدقيق اللغوي. وعلى الرغم من أن خوارزمية «بيرت» حققت نجاحات باهرة في عدد من المجالات فإن مجال التدقيق اللغوي أثبت كالعادة استعصاءه على الخوارزميات. لم تكن نتائج هذه الخوارزمية مخيبة للآمال، ولكنها لم تكن بالمستوى المتوقع منها.

اللغة في جميع تراكيبها تبعث على التأمل، لربما كان للغة العربية الحظ الأوفر من الجمال، ولكن لكل لغة إنسانية ما يجعلها تتميز بذاتها، ونحن كبشر استطعنا أن ندرك هذه الخواص لنستعملها في نقل صورة عن العالم من حولنا في شكل إنتاج أدبي، ويبقى الأمل في أن يأتي يوم يتمكن فيه الذكاء الاصطناعي من مساعدتنا في نقل هذه الصورة المبهرة عن عالمنا.