عندما تضرب الكوارث، يعمل التطبيب عن بعد بمساحات واسعة وحاسمة ومفيدة.

هكذا كان الحال مع جائحة كورونا كوفيد19- التي منحت هذا الطب دفعة قوية، نتيجة للتطور التكنولوجي الهائل والمتاح، واختصرت الزمن، فعزل نصف البشر في منازلهم، جعل الاستشارات الطبية عبر وسائل التكنولوجيا سيدة الموقف.

ضرب فيروس كورونا، فأصبحت زيارات الطبيب الافتراضية - مثل اجتماعات العمل الافتراضية وحفلات أعياد الميلاد وتخرج المدارس الثانوية - جزءا مقبولا من الوضع الطبيعي الجديد.

يقول كبير مسؤولي الصحة في جامعة كاليفورنيا في ديفيس هيلث في كاليفورنيا، بيتر يلوليس «اعتقد الناس أن عليك رؤية شخص ما شخصيا لإجراء اختبار مناسب، ثم ظهر COVID، وتغيرت مواقفهم كلها.. فجأة، لم يتمكنوا من العمل بأي طريقة أخرى».

اتجاه مستقبلي

ترى استشارية الطب النفسي، خبيرة الأمم المتحدة لعلاج الإدمان عند النساء الدكتورة منى الصواف، أن العمل عن بعد هو الاتجاه المستقبلي لكثير من الأعمال، وتحاول طرح السؤال:

ـ هل سيكون الطب من ضمنها؟

وتجيب «هناك تجربة واقعية في المجتمع السعودي منذ مدة ليست بعيدة عندما تم الحظر الكامل لعدة أسابيع كأحد سبل الوقاية من انتشار فيروس كورونا التاجي كوفيد19-».

وتضيف «ممارسة الطب عن بعد تنطوي على عدد من الإيجابيات، كما تحمل بعضاً من السلبيات كذلك».

وتعدد الدكتورة الصوفي أهم الإيجابيات، وتقول «تتمثل الإيجابيات في توفير الخدمات الطبية الاستشارية للحالات غير الحرجة في فترات يصعب على المريض الوصول فيها إلى المستشفى أو العيادة لأي سبب مثل وجود وباء، ومنها على سبيل المثال بعد المسافة الجغرافية، وصعوبة حركة المريض، وغيرها من الأسباب».

وتكمل «كما توفر ممارسة الطب عن بعد الأماكن في المستشفيات للحالات الحرجة والطارئة دون استنزاف للمصادر الطبية، إضافة إلى توفير الوقت للمريض أو طالب الاستشارة، وكذلك للطبيب».

وتورد الدكتورة الصوفي السلبيات التي تنجم عن هذه الممارسة، وتقول «لا بد لممارسة الطب عن بعد من وجود وسائل تواصل وإنترنت خاصة للاستشارات المرئية، الأمر الذي قد لا يتوفر خاصة في الأماكن النائية».

وتشدد على أن «بعض الحالات النفسية تصعب معها الاستشارات عن طريق الاتصال المرئي لأسباب مختلفة مثل: وجود ضلالات وشكوك عند المريض تدفعه لعدم مصارحة الطبيب، والحالات الخاصة جداً مثل الحالات الجنسية أو استعمال المخدرات، وهذه قد لا يشعر الشخص بالراحة للبوح بها خوفا من عدم الحفاظ على السرية، إضافة كذلك إلى فقدان التواصل التفاعلي العاطفي بين المريض والطبيب وخاصة لغة الجسد».

قدرة الطب الاتصالي

لا بد أن نعترف أن الطب الاتصالي أثبت قدرته على خدمة شريحة كبيرة من المرضى، وخصوصا مرضى الأمراض المزمنة وبعض الأمراض التي قد تُغني فيها التحاليل عن حضور المريض للوصول إلى التشخيص.

ولكن نجم الطب الاتصالي الصاعد هبط فجأة مع انفراج الحظر ليثبت أن المريض والطبيب يفضلان التواصل الإنساني المباشر على طرائق التقنية الأخرى.

نشاط في الكوارث

يمكن الطب عن بعد من إجراء محادثة فيديو سريعة مع طبيب، أو جلسة علاج مدتها ساعة تُجرى بالكامل عبر الإنترنت، ويمكنه ربط عيادة صحية صحراوية بمستشفى مدينة كبيرة، أو إحضار أخصائي طبي إلى غرفة معيشة المريض، وعمليا، فقد تم علاج أول مريض معروف بـCOVID-19 في أمريكا من قبل طبيب تحدث معه عبر شاشة فيديو في غرفة العزل الخاصة به.

وتبرز أهمية الطب عن بعد في الكوارث، خصوصا الكبيرة منها، ففي هيوستن، عام 2017. كان إعصار هارفي قد ضرب للتو عبر جنوب تكساس، وهطلت كميات هائلة من الأمطار غمرت مياهها الطرق، وعلق الآلاف في منازلهم، وهنا كان التطبيب عن بُعد بديلاً قيِّمًا عن محاولة القيادة إلى عيادة الطبيب.

مع ذلك، فإن أقل من 10% من البالغين الأمريكيين جربوا التطبيب عن بعد قبل هذا العام 2020 الذي أطلق عليه «عام الطب عن بعد».

استخدمت تطبيقات مثل FaceTime أو Zoom في التطبيب، وكانت النتائج واضحة في غضون أسابيع في بيانات مطالبات الرعاية الصحية، فقد ارتفعت حصة العناصر المفوترة المتعلقة بالتطبيب عن بعد بأكثر من 8000% في أبريل 2020 مقارنة بأبريل 2019.

زيارات افتراضية

في جامعة كاليفورنيا في ديفيس هيلث، احتاج الأطباء النفسيون الذين يعملون مع بيتر يلوليس إلى 3 أيام فقط لنقل جميع مواعيدهم إلى الهاتف أو الفيديو، لقد عاملوا الزيارات الافتراضية مثل مكالمة منزلية قديمة، وقد عمل بنفسه مع امرأة حزينة على المرض العضال لقطتها الحبيبة - مع القطة هناك على الشاشة، على حجرها.

ولم يكن الحال في بادئ الأمر مريحا، ثمة عقبات اعترضت التطبيب عن بعد، منها عوامل تشتيت الانتباه خارج الشاشة، ومخاوف بشأن الخصوصية، وصعوبات في قراءة الإشارات غير اللفظية للمريض، لكن الأمر تم بسلاسة في النهاية.

لكن الغالبية قالت إن الانتقال سار بشكل أكثر سلاسة مما توقعوا، صحيح أن الأطباء لم يحبذوا العمل من المنزل إلى الأبد، حيث أعربوا عن تفضيلهم القوي للعودة إلى الرعاية الشخصية في أقرب وقت ممكن، مع استخدام التطبيب عن بعد كخيار ثانٍ للمرضى الذين يفضلونه، لكنهم لم يكونوا متأكدين من أنهم يستطيعون جعل التطبيب عن بعد جزءًا دائمًا من ممارستهم.

صحة رقمية

يحبذ كثيرون استخدام مصطلح الصحة الرقمية أو الإلكترونية كإطار عام للطب عن بعد، خصوصاً أنهم يرون أنه يرتكز على تكنولوجيا الاتصالات عبر تطبيقات مكالمات الفيديو والهواتف الذكية،

وانتعش هذا الطب خلال كورونا في الدول المتقدمة تكنولوجيا مقارنة بغيرها، ففي فرنسا مثلا ازداد العدد الأسبوعي للاستشارات عن بعد من 10 آلاف أسبوعيا أوائل مارس 2020 إلى ما يقرب من مليون في منتصف مايو الماضي، وسجلت الاستشارات عن بعد رقما قياسيا بلغ 1.1 مليون استشارة عن بعد في الأسبوع الثاني من أبريل.

وفي بريطانيا كان الجزء الأكبر من الاستشارات اليومية خلال فترة العزل التي بلغت على مستوى الرعاية الأساسية 1.2 مليون استشارة تتم عن بعد.

وفي السعودية تلقى مركز الصحة «937» التابع لوزارة الصحة أكثر من 1.4 مليون اتصال خلال مارس الماضي تقريبا، للاستشارات الطبية بشكل عام وفيروس كورونا «كوفيد-19» بشكل خاص.

رعاية مختلطة

ابتداءً من عام 2017، استثمرت مؤسسة كاليفورنيا للرعاية الصحية مئات الآلاف من الدولارات في توسيع خدمات التطبيب عن بُعد في 9 عيادات لشبكات الأمان في جميع أنحاء الولاية الأمريكية.

تخدم العيادات في الغالب مرضى من الأقليات من ذوي الدخل المنخفض. كان معظمهم يخسرون المال في التطبيب عن بعد.

سمح التمويل للعيادات بتوظيف موظفين بدوام كامل مخصصين للإشراف على برامج التطبيب عن بعد، وتوسيع عروضهم عن بعد.

كان الطب النفسي هو الأهم، حيث يمثل حوالي نصف جميع جلسات المرضى. لكن العيادات استخدمت أيضا التطبيب عن بُعد لربط المرضى بأطباء العيون وأطباء الأسنان وأخصائيي الروماتيزم وأطباء الأعصاب.

وخلص الباحثون إلى أن تجربة كاليفورنيا تظهر أن التطبيب عن بعد يمكن أن يساعد المرضى الذين لديهم خيارات أخرى قليلة في الحصول على الرعاية المتخصصة التي يحتاجونها، لكنها تؤكد أيضا على الحاجة إلى سياسات سداد جديدة، إذا كان الهدف هو الوصول إلى مزيد من الناس.

قالت معظم العيادات إن برامج التطبيب عن بعد الخاصة بها كانت دائمة - لكن نطاق الخدمات التي تقدمها سيعتمد على الموارد المالية، قال أحد منسقي العيادة «ليست هناك عودة.. لقد غادر هذا القطار».

يتحدث الأطباء النفسيون في جامعة كاليفورنيا في ديفيس هيلث عن معيار جديد للرعاية - «الرعاية المختلطة» - حتى بعد انتهاء الوباء، إنهم يتوقعون قضاء بضعة أيام كل أسبوع في المكتب، ورؤية المرضى وجهاً لوجه، وبضعة أيام يعملون من المنزل، ومن الشاشة إلى الشاشة.

قال الطبيب كيسوكي ناكاجاوا «كثير من المرضى لا يريدون حقا الذهاب إلى العيادة والانتظار لمدة 45 دقيقة».. «كان هذا النوع من العقلية يعمل، لكن يجب أن يتغير. يسمح لنا الطب عن بعد بتلبية متطلبات نمط الحياة للجيل القادم والمرضى ومقدمي الخدمات على حد سواء».

ولكن، مثل موظفي المكاتب في كل مكان، كان لديه مصدر قلق واحد «فجأة، أصبح يومنا بأكمله على Zoom».

استشارات في الطب عن بعد

السعودية

1.4 مليون استشارة في مارس الماضي

فرنسا

10 آلاف استشارة أسبوعيا أوائل مارس 2020

1 مليون منتصف مايو الماضي

بريطانيا

1.2 مليون استشارة عن بعد

الطب عن بعد

هو استخدام الوسائل والخدمات والطرق الإلكترونية لتقديم الخدمات المرتبطة بالصحة عن بعد

الصحة الإلكترونية

هي استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مجال ومن أجل الصحة، وذلك حسب منظمة الصحة العالمية

التشخيص الطبي

%80 الاعتماد على المريض

%20 على التشخيص السريري والتحاليل

تطورات في الطب عن بعد

%10 من البالغين الأمريكيين فقط جربوه قبل 2020

%8000 ارتفاع العناصر المتعلقة به في أبريل 2020 عنه في أبريل 2019

أنواع الطب عن بعد

1 - القياس عن بعد Telemetry: وهو النقل المتزامن للبيانات الطبية الهامة من المناطق النائية إلى مستشفى مركزي.

2 - التطبيب عن بعد بالتخزين والإرسال Store & forward:

وهو التقديم المتزامن للخدمات الطبية، ويتخذ ذلك شكل رسالة بريد إلكتروني بالوسائط المتعددة multimedia e-mail: ترسل إلى طبيب استشاري بواسطة إحدى خدمات الاتصالات الإلكترونية.

3 - التطبيب عن بعد بالمؤتمرات الفيديوية Video conference Telemedicine:

وهو نمط آخر من التقديم المتزامن للخدمات الطبية، ويتخذ شكل مؤتمر فيديوي مباشر بين المريض والطبيب المعالج، وبين طبيب استشاري في مستشفى رئيسي، حيث يقوم الطبيب الاستشاري بمراجعة البيانات المتعلقة بالمريض قبل عقد مؤتمر الفيديو، ومن ثم يجري المؤتمر الفيديو على الهواء، وبعد ذلك يرسل تقريرا مكتوبا عن رأيه في الحالة.