السؤال عن أولى اللبنات في بناء الشخصية الوطنية التي انطلقت مع الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، يعيدنا إلى الذاكرة الشفوية والمكتوبة لمن عاصروه، ويظهر في ثنايا ذلك ما لمسوه من نخوة عربية لزعيم عربي أدرك التغيرات العالمية لقوى عظمى تتصارع على المنطقة العربية، واستطاع بحنكته أن يمسك جغرافيا الوطن بروح جمعت ما بين الأبوية العربية والمرونة السياسية اللازمة لتجاوز صراع القوى العظمى في المنطقة، دون الوقوع في التزامات تشده تجاه أحد الأطراف على حساب مملكته.

اللبنة الوطنية الأولى التي شعر بها أفراد الشعب هي (الأمن) ومنها انطلقت مسوغات التنمية، فالأمن عدا أنه ضامن للشرعية فهو جالب للمال والأعمال، فكيف إذا كان الناتج هو ثروة نفطية أضافت لدلالة الأمن في وجدان المواطن دلالة (الرفاه) وكان هذا خلال فترات متقلبة، لكنها جعلت المواطن يحافظ على شرطه الوجودي مع الدولة، كما حافظت الدولة على شرطها في الأمن، بالإضافة إلى البعد الحضاري الخاص بتكوين المواطن الوجداني الذي لم يعرف سوى حيز القبيلة وضماناتها التي بالكاد تغطي الحد الأدنى من الحياة الإنسانية المتحضرة، فلا تعليم حديثا ولا إعلام ولا مشافي... الخ ثم أضافت الدولة عمقاً سياسياً جديداً لحضورها وفعاليتها في نفس المواطن والواقع العربي المحيط به فكانت من الأعضاء المؤسسين لجامعة الدول العربية عام 1945م، لكن جاء خطاب الخمسينات والستينات القومي محاولاً اختطاف المسار الطبيعي لنمو الشخصية الوطنية في عروبتها، فقاومت الدولة هذا الخطاب بصناعة واقع أكثر اتساعاً في دلالاته الجيوسياسية، ليرى المواطن أبعاداً جديدة تضاف لبعده العربي في فضاء السياسة الدولية، مما زاد من تماسك المواطن السعودي تجاه هذا التيار القومي المتفلت، فكانت أن شكلت في العقل الجمعي للمواطن دائرة أوسع من الخطاب القومي، فكانت انطلاقة رابطة العالم الإسلامي ومقرها مكة المكرمة حيث تأسست عام 1962م، واستمر وجدان المواطن ينظر لواقعه ومنطلقات دولته وفق فضاءين أحدهما عربي والآخر إسلامي، ليأتي بعد ذلك سقوط الشموليات بالمعنى الكلاسيكي ممثلاً بسقوط جدار برلين، فنرى التحولات الكبرى عبر سقوط (العالم ذي القطبين) ليصبح قطبا واحدا، فنلامس آثار ذلك في جنوب الجزيرة العربية ليبتلع اليمن الشمالي اليمن الجنوبي، ونرى روسيا تقف على الحياد من استقطابات حلفائها في العراق، الذين لم يقرأوا مشهد التحولات كما يجب فغامروا باحتلال الكويت كطعنة في قلب (الجامعة العربية)، ليبدأ النزيف الشديد في أوصالها حتى هذه اللحظة، مما أثر على الوجدان القومي للمواطن، ثم تأتي (11 سبتمبر) كطعنة أخرى في قلب الأممية الدينية فتعقبها داعش مستنزفة آخر ما بقي لدى المواطن من تقاطعات أممية، فتقوم الدولة بكل قوة واقتدار باستعادة وترميم كل هذه المعطيات الوجدانية لدى المواطن بالعمل على أكثر من جانب، فنراها على المستوى الإسلامي تطرح وعبر رابطة العالم الإسلامي (وثيقة مكة المكرمة) في 25 رمضان من عام 1440 الموافق 30 مايو 2019، حيث مثلت دستوراً تاريخياً لتحقيق السلام وحفظ قيم الوسطية والاعتدال في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، وعلى المستوى العربي بقيت هي الضامن الوحيد أمام التوسعات الإقليمية لبعض دول الجوار في العمق العربي، مما انعكس على روح المواطن بشعور الزعامة والدور القيادي والريادي لدولته في المجالين العربي والإسلامي، وما يترتب عليه من أثر على المستوى الدولي باعتبارها (قلب العالم العربي والإسلامي).

أما على الجانب الوطني الداخلي والخاص بيوميات المواطن، فقد طرحت القيادة السياسية برنامج (جودة الحياة 2020) وهو أحد برامج تحقيق الرؤية السعودية (2030)، وعبره تستعيد الدولة شبابها وحيويتها على الصعيد التنموي بطريقة تتجاوز الريعية القديمة إلى المشاركة الاجتماعية الفاعلة، وفي تناغم السياسة الخارجية مع السياسة الداخلية ازدادت ثقة المواطن في تحقيق معنى مواطنته الذي يراه يسير في طريق متقدم وسريع مقارنة بماضي أجداده أو حتى آبائه.