أكتب مقال الأسبوع على خلفية الفقد الكبير الذي ألم بالعالم العربي والخليجي في وفاة أمير الإنسانية الشيخ صباح الأحمد الصباح رحمه الله، نعم كان لقبه اسما على مسمى فهو الرجل الذي تصدى للطائفية وأخمدها بكل حكمة، ولا أستطيع أن أنسى الموقف الذي عرضته القنوات الفضائية -قبل خمس سنوات- وقد أطلق دموعه على الشهداء أثناء زيارته لمسجد الإمام الصادق الذي كان ضحية تفجير إرهابي في الكويت. خاصة في تلك المرحلة فهناك الكثيرون ممن كانوا يعزفون على وتر الطائفية، إذ استغل بعض المتشددين هذا المشهد الإرهابي من أجل تأجيج نار الفتنة المذهبية. في ظل هذه الأجواء المشحونة والمتوترة وإذا بالأمير الإنسان يخمد هذه النار بكل هدوء ووعي، إذ قام بزيارة المسجد بعدها بسويعات بسيطة من دون ترتيبات لوجستية، وصل الشيخ وهو يبكي وقد احتضن أسر المصابين والشهداء وقال عبارته «هذول أولادي وأنتم أهلنا أنتم عيالنا وإخواننا وإذا لم نذهب لكم نذهب لمن؟ لذلك نحن نعزيكم في أولادنا وعيالنا... الذين راحوا ليسوا أولادكم فقط بل أولادنا وعيالنا وإخواننا وربنا إن شاء الله يتقبلهم في جنته» وبعد هذه الزيارة بـ 5 أيام فقط، قام الأمير الراحل بدعوة أسر الشهداء والمصابين واستقبلهم بكل حفاوة وتقدير، وكرر أسفه على الحادثة الإرهابية وهو يتحدث معهم عن وحدة الصف وأهمية اللحمة الوطنية والوقوف سويا ضد كل من يريد زرع الفتنة بين أبناء الوطن. لم ينته الأمر إلى هذا فقط، بل كان مهتما ببناء المسجد وتشييده من جديد، وفعلا وبعد 10 أشهر تقريبا من الحادثة الإرهابية أي في 2016 زار الأمير الصباح وولي عهده آنذاك الشيخ نواف الأحمد مسجد الإمام الصادق للاطلاع عليه وافتتاحه من جديد، وقال في كلمته مرة أخرى في سجل زيارته يجب علينا ضرورة التكاتف والوقوف صفا واحدا في وجه كل من يحاول إثارة النعرات الطائفية والقبلية والنزاعات وتهديد الوحدة الوطنية. كل هذه الإجراءات العملية من الأمير الإنسان كان لها أثر كبير في نفوس الأهالي وخاصة أهالي الشهداء والمصابين، وكان لعبارته العميقة والبسيطة دور مؤثر في قلوب الأهالي وتعزيز صبرهم تجاه المأساة. نعم إنها قصة رائعة تجسد مبدأ الوحدة الوطنية في وجه التمذهب والإرهاب الطائفي، ولعل اختيار الأمم المتحدة للأمير الراحل وتسميته بـ «قائد العمل الإنساني» هو خير شاهد على ما نقول. الأمير الراحل كانت له عدة سمات من بينها أنه كان يمتلك كاريزما الأب، هذه السمة يشعر بها كل أفراد الشعب الكويتي، يبدو أن مجتمعنا الخليجي لديه ذات النظرة فنحن مجتمعات أسرية نحمل الاحترام والتقدير للكبير، هذه الروح الأبوية لها وقع كبير في نفوسنا وفي تعاملاتنا الاجتماعية في تقبيل الكبير على رأسه ويديه، وتوفير واجب الاحترام من قبيل الوقوف أثناء مجيئه وترك مسافة كبيرة مستحقة له. أخيرا أقول: رحم الله سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير الإنسانية، ونسأل الله تعالى له المغفرة والجنة والرضوان.