الصحة والتعليم هما الشغل الشاغل للمواطنين بجميع أنحاء العالم، والدول المتميزة صحياً وتعليمياً تكون محط أنظار العلماء والمتفوقين وأصحاب القدرات الكبيرة من كل أنحاء العالم، كهدف مباشر للعمل والاستقرار. وفي هذا السياق وكجزء من المبادرات النوعية لرؤية 2030 أعلن مجلس الوزراء السعودي الموقر عن الموافقة على وثيقة (مبادرة) مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تشغيل المستشفيات وإنشاء مدن طبية (مستشفى الأنصار بالمدينة المنورة)، وهذه نقلة طبية بالتاريخ الطبي التشغيلي للمستشفيات بالمملكة.

مما لاشك فيه أن الشراكة بين القطاع الخاص والعام هي (شراكة مثمرة)، وهناك العديد من الأمثلة السابقة، مثل تحويل خدمات حيوية إلى شركات خاصة، كشركات الاتصالات والكهرباء والمياه والنقل الجوي، مع ملاحظة ما تخلقه المنافسة من نجاح. لقد كان (إدخال) خط هاتف من المعضلات ويجب عليك الانتظار لعدة أشهر، أما الآن فهذا الأمر لا يأخذ دقائق، ناهيك عن جودة الخدمة وسهولتها وسرعة التنفيذ، وقد تكون تجربة خصخصة الكهرباء والمياه أقل شأناً، لعدم وجود المنافسة بين الشركات، وتحول المشغلين إلى شركات (شبة حكومية)، وهذا هو الفارق الكبير بينها وبين شركات الاتصالات. أما بالنقل الجوي فقد رأينا التقدم الكبير في خدمات الخطوط السعودية، وخاصة بعد دخول مشغلين ومنافسين جدد من القطاع الخاص مما سوف ينعكس على المواطن أو العميل الذي سوف يرى الفارق بجودة الخدمة.

طبياً.. أُثقلت وزارة الصحة عدة عقود بأدوار كبيرة (قد لا يلاحظها الكثيرون)، كإصدار التشريعات والرقابة على تنفيذها، وأيضاً بتشغيل عدد هائل من المستشفيات، تجاوز 260 مستشفى حكوميا على امتداد ربوع أرضنا الغالية، وكانت رؤية 2030 كالمنقذ لهذه الوزارة الحيوية لتخفيف الأحمال عليها، وحصر دورها بالإشراف والرقابة على جودة الخدمة، بدلا من أن تقوم بأدوار متعددة في آن واحد.

وقد ترتكز استراتيجية المرحلة المقبلة (تشغيلياً) على عدة نقاط رئيسة تحدد (البوصلة الصحية) ومن أهمها:

1. مدى استطاعة الشركات المشغلة (الحكومية) صنع الفرق وتغيير الصورة النمطية عن خدمات بعض المرافق الحكومية.

2. قدرة القطاع الخاص على التوسع والمشاركة والتناغم مع القطاع الحكومي في تنفيذ مشاريع مشتركة.

3. العلاقة بين المشغلين وشركات التأمين والمواطنين ومن سوف يتحمل الفاتورة الطبية عند نهاية المشوار.

4. عدالة المنافسة بين الشركات الحكومية وشركات القطاع الخاص في تطبيق معايير التشغيل العالمية.

وكما نجحت شركات الاتصالات بإقناع الجميع بنجاح تجربة (التكامل) بين القطاعين، فليس من المستحيل نجاح شركات (التشغيل الطبية) خاصة إذا اهتمت بتحسين (الجودة الطبية)، مع وجود حوكمة عالية ونظرة إيجابية (وتدرج) بالتطبيق، ولكن إن انجرفت تلك (الشركات) وراء الربح المؤقت على حساب (النظرة المستقبلية)، واتبعت نظرية (بيع الجح)، فلا حيلة لنا إلا أن نقول كما قالت (مبروكة ومحظوظة) في مسلسلهما الشهير (وعلى الدنيا السلام).