امتد تأثير جائحة كورونا الصحي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي، ليشمل جميع دول العالم وشعوبها، بما فرضه الواقع من سلبيات انعكست على الوضع الداخلي للدول وعلى العلاقات الدولية برمتها. وعلى الرغم من تفاوت الدول في درجة تأثرها ومستوى معالجتها للحدث الذي ما زال العالم يعيش كارثيته، وبما صحبه من تبعات ونتائج أدت إلى إخفاق في مسيرة التنمية المستدامة بجميع مضامينها، وإلى تعثر في مشاريع وبرامج تنموية مختلفة لجميع الدول، إلا أننا لابد وأن نعترف بأن هناك اختلافا في حجم التأثير الناجم سواء في قوته أو محدوديته، بسبب ارتباط ذلك بمنظومة من السياسات والإجراءات التي تتباين فيها الدول، بناء على مواردها الاقتصادية ومقوماتها البنيوية وهيكلها المؤسسي القائم قبل الجائحة.

ولعله من إيجابيات الكوارث على اختلافها، أنها تكشف جوانب الضعف والهشاشة في مكوناتنا وبنيتنا العامة والخاصة، لأنه في الأزمات نحتاج دوماً إلى استجلاب مقتنياتنا ورصيدنا السابق، باختلاف نوعيته الملائمة للحدث، لينقذنا أو ليدعمنا في مواجهة الحالات الطارئة التي تواجهنا. أحيانا تكون تلك الأزمات إنسانية وأحيانا اقتصادية أو اجتماعية وأخرى سياسية أو طبيعية أو أمنية، وغير ذلك من أنواع المفاجآت الكونية والمحن التي قد يتعرض لها المجتمع سواء في نطاقها المحدود للأفراد، أو في النطاق الأوسع للدول. ويختلف حجم التأثير وعمقه باختلاف متانة القاعدة التي نرتكز عليها ونوعية المخزون الذي ندخره لمواجهة الأزمات بأنواعها.

في نطاق سوق العمل، فقدان الوظائف ونمو معدلات البطالة، الذي طال معظم دول العالم كنتيجة طبيعية للتأثيرات الاقتصادية، وكجزء من تبعات الكساد الاقتصادي العام، وما لحقه من خسائر فادحة على مستوى المؤسسات العامة والخاصة، فإن القاعدة الصلبة من الممكنات والتنظيمات للجهاز المؤسسي، والمخزون الثري من اللوائح القانونية والتشريعات المنظمة والضابطة، يساعد نسبياً في تخطي بعض من تلك السلبيات عند الأزمات، ويسهم في الحد من تأثيرها الكارثي واحتوائه أحياناً.

يواجه التوظيف والتوطين معضلة حقيقية في سوق العمل الوطني، وذلك قبل كورونا وتحدياتها المضافة، كما أن نسبة البطالة تكاد تراوح نسبتها الثابتة لسنوات حول %12 للمواطنين، وتزيد وتنقص بنسب طفيفة، فلم تكن كورونا إلا سبباً لتفاقم حالة قائمة، وذلك ما تؤكده الإحصاءات الوطنية المعنية بمسح القوى العاملة، والتي تشير لانخفاض كبير في نسبة مشاركة المواطن في سوق العمل مع تراجع في نسبة التوطين من قبل كورونا وبعدها، فبعد أن كانت نسبة مشاركته في القطاعات كافة %24.8 نهاية 2018، انخفضت إلى %23.6 نهاية العام 2019 -قبل كورونا-، لتصبح %23.2 في الربع الثاني من العام 2020 -بعد كورونا-، في حين يشارك غير المواطنين بنسبة %76.5 في الربع الثاني من العام 2020.

وتوضح البيانات الإحصائية أن هناك زيادة في عدد غير المواطنين المشتغلين في السوق للثلاثة أشهر الماضية بعدد 26.843 ألفا، بينما انخفض وجود المواطن لنفس الفترة بعدد 32.001 ألف مواطن نتيجة لفقدان الوظائف، ناهيك عن ارتفاع البطالة بين المواطنين، إلى %15.4 في الربع الثاني لهذا العام، بعد أن كانت %11.8 قبل ثلاثة أشهر من نفس العام!!.

ما يدعو إلى التساؤل والاستفهام حول ماهي طبيعة مسؤولية إدارة الموارد البشرية في احتواء تلك التحديات أو الحد من سلبياتها؟ وما هي الإجراءات الفاعلة التي تتخذها نحو المسارعة في توظيف وتدريب المواطنين؟، وماهي الوسائل المنفذة فعلياً لدعم التوظيف الفعلي وليس الوهمي؟ وماهي آليات المتابعة المباشرة لأسباب فصل المواطنين من عملهم في حين يتمتع غيرهم بوظائفهم؟ وما هي السياسات والإجراءات المتخذة للحد من توظيف غير المواطن؟، وهل من المعضلة أن يجد المواطن عملا في وطنه في ظل احتكار غير المواطن لنحو %77 من فرص العمل المتاحة؟!

توفر لنا الإحصاءات المتوالية رؤية شفافة وتقييما دقيقا عن الواقع الفعلي لطبيعة ما نحققه من منجزات، وما نواجه من تحديات، وذلك يقتضي بدوره تعزيز الإيجابيات، ومراجعة السلبيات بتصحيح بعض السياسات والأنظمة القادرة على ضبط جوانب الإخفاق التي نشهدها في مختلف القطاعات، بما يخدم أهدافنا التنموية ورؤيتنا بدايةً، وبما يسهم في الحد مما نواجه من تحديات.

وعليه فإن توقيف التأشيرات للعمالة المناظرة لمواردنا البشرية، وعدم تجديد الإقامات الحالية، وتجميد التوظيف لغير المواطن -إلا فيما تستدعيه الحالة الاضطرارية-، والتركيز على توطين جميع القيادات البشرية في القطاع الخاص، ووضع قيود والتزامات إجرائية يتابع تنفيذها عند فصل المواطنين -بعد التقييم والتحقق من الأسباب والمبررات ميدانياً-، فإن ذلك جميعه سيسهم بلا شك في الحد من البطالة وسيرفع نسبة التوطين للوظائف المتاحة. ننادي دوماً بأهمية خلق وظائف جديدة تستوعب أهداف تطلعاتنا التنموية الحديثة، وتحتوي مخرجاتنا من الجامعات والكليات في وظائف تليق بتخصصاتهم ودراساتهم، وذلك أمر مطلوب في حد ذاته، ولكن ما يجدر التنويه إليه، أنه لدينا آلاف الوظائف الموجودة فعلياً في مجالات مختلفة، ولكنها مشغولة بغير المواطن منذ سنوات، والأمر يتجدد ويتفاقم، إذ تضخ الجامعات والكليات مخرجاتها بصفة دورية، لتزيد من نسبة البطالة وترتفع معدلات تراكم الباحثين عن عمل، إلى متى ونحن نحوم حول نفس المأزق وذات المعضلة على الرغم من انكشاف خيوطها ووضوح حلولها؟!