يجمع كثير من الرجال على أن الاستراحات التي يرتادونها، تعد متنفسا يلوذون به، ويلجؤون إليه للتخلص من ضغوط العمل، وأجواء المنزل، ويراها بعضهم مصدراً لترفيه بلا مقابل.

في المقابل، يرى آخرون، أن هذه الاستراحات، ربما تشكل خطرا يهدد المجتمع، فقد تنجم عنها مضار تسببها التجمعات التي تحتويها اجتماعيا واقتصاديا وفكريا، لعل أقلها أنها تستهلك وقت الرجال الذين يقضون فيها أحيانا ما يزيد عن 5 ساعات يوميا، أو يجعلونها مجالا للتغيب عن منازلهم في عطلات نهاية الأسبوع، وقد ينجم عنها كذلك مخاطر تناول الآخرين في خصوصياتهم، وحتى الافتئات عليهم وبهتانهم وغبنهم.

لكن أشد مخاطر الاستراحات أن بعضها تحول إلى بؤر لطبخ الإشاعات وإطلاقها، وتعاضد ذلك مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعل مجموعة الاستراحة تؤازر بعضها بعضها، حتى ليكاد ما يصدر عنها من إشاعات يكتسي بصيغة التواتر لكثرة ترديده، مع كل الآثار السلبية للإشاعات وانعكاساتها الخطيرة على تماسك المجتمع ووحدته وثقته بالأجهزة والجهات التي تعمل لخدمته. ويتصدر كبار السن مشهد انتقاد الاستراحات التي يبدو الشباب أكثر ميلاً لها، ويحملونها مسؤولية كثير من الأخطاء التي تحدث، والتي تولد نواتها في تلك الاستراحات على حد زعمهم.

اختلاف المفهوم

يشير كثيرون إلى أن فكرة الاستراحات (وهي أماكن قد تكون داخل الأحياء أو بعيدا عنها في المزارع وغيرها تتجمع فيها مجموعة من الناس في أوقات مختلفة يختارونها حسب كل من هذه المجموعات) انطلقت من الكويت وانتشرت لاحقا في معظم أنحاء الخليج، ويشير العم حمد المري (90 عاما) في حديثه لـ«الوطن» إلى أن فكرة الاستراحات عرفت متأخرة خلال السنوات الأخيرة، ويقول «لم نعرف الاستراحات في السابق كما هي الآن في السابق، لم يكن لدينا ما تسمونه الآن استراحة، بل كنا نجتمع في «حوش» ـ باحة ـ المنزل أو البراحة الملاصقة للبيت، حيث يلتقي فيها كبار السن والشباب، وتناقش أوضاع الحي، ويتم فيها السؤال عن أهله، وتسرد فيها قصص السابقين وسيرهم».

ويضيف «لم تكن تلك التجمعات تتطرق إلى ما يتم تداوله اليوم من أشياء لا تعني المجتمعين، ولم تكن تتناول كما يحدث اللآن أحاديث تبدو في أحيان كثيرة غير مناسبة أو لائقة، أو حتى تتناول إشاعات تتعلق بجهات بعينها، أو تدعي صدور قرارات عن جهات أخرى».

اتهام في غير محله

إضافة إلى ما يشير إليه العم حمد المري، يتهم كثيرون الاستراحات بأنها صارت منصة للمشاكل والإشاعات، وهو ما يرفضه صالح الشمري وهو مالك إحدى الاستراحات، إذ يقول لـ«الوطن» «الاستراحات بمفهومها الحميد الذي أعرفه ويعرفه كل الناس العقلاء هي مكان تلتقي فيه مجموعة متجانسة متفاهمة، وهو ما يفسر قلة ما تشهده من مشاحنات وسطوة بعض مرتاديها على بعض».

وحول النظرة السلبية لكبار السن تجاه هذه الاستراحات، يقول الشمري «أكثر كبار السن ما زالوا متمسكين بمفهوم المجلس التقليدي، وهو أمر حسن ولا شك، فقد كانت المجالس مكانا لنشر الفضيلة والأعمال الطيبة، لكن حتى الاستراحات يمكنها أن تلعب هذا الدور الآن، وربما يعود انتقاد كبار السن تحديدا لها إلى شعورهم أن الاستراحات باتت تسحب البساط من تحت أقدام مجالسهم».

استهلاك للقصص

تقتصر الاستراحات غالبا على مجموعات بعينها تعرف بعضها بعضا، ويحذر كثيرون من أن بعضها بات ينزلق اليوم وباتت أحاديثه بلا جديد، فتبدأ مجموعة الاستراحة استهلاك واستجرار ما سبق لها تناوله، ومن ثم تبدأ البحث عن قصص جديدة بعضها يفتقر للمصداقية والموثوقية، وبعضها قد تكون فيه إساءة للآخرين، أو حتى إشاعات عن إطلاق قرارات أو تصويرها على أنها صدرت فعلا عن جهات بعينها مع كل ما تثيره تلك التصرفات من بلبلة.

ويعلق المستشار الاجتماعي عادل علي الغامدي لـ«الوطن» «تستجر بعض الاستراحات أحاديث غير موثوقة، قد ينجم عنها دمار لمجتمعات متماسكة، وهدم لأسر مترابطة، وتفرقة بين أفراد متحابين، وقد يمتد أثرها إلى ضياع الأموال وهدر الأوقات، والتطاول وتزييف قرارات بعض الجهات».

وأضاف «تحول بعض المجموعات استراحاتها كمكان للالتقاء اليومي إلى مطبخ تعد فيه الأحاديث المختلفة، فالوقت الطويل الذي تقضيه المجموعة في الاستراحة، وكذلك اختلاف الثقافة الشخصية ورغبة البعض في التميز ولو بطرق غير سليمة، وأحيانا البحث عن سد النقص الشخصي وهوس السبق الخبري، أو البحث عن مكانة اجتماعية، أو الوصول إلى هدف منشود أو غيرها من العوامل تدفع البعض لابتداع أحاديث وتداولها، وإلى إطلاق شائعات لها آثارها السلبية العميقة».

الاستراحة

* أرض سكنية أو مزرعة أو أرض فضاء محاطة بسور أو شبك

* فيها منشآت سكنية تضم صالات وغرفا ومطبخا وربما حديقة أو مسبحا

* استقي اسمها من لفظ الراحة، حيث يبحث مرتادوها عن الراحة من العناء والمشاكل

أسباب الظهور

* ضيق الوحدات السكنية

* الحرص على بقاء المنزل بعيدا عن الضيوف

* كونها مفتوحة للجميع دون التقيد بوقت

* غياب المتنفسات البديلة

* بطالة بعض الشباب

مخاطرها

- يرتادها أحيانا حتى المراهقين وصغار السن

- كثير منها يهدر وقت مرتاديها بلا فائدة

- اكتساب الشباب عادات لم يعرفوها سابقا

- تقود إلى الانطوائية والبعد عن المجتمع

- بعضها يكون مدخلا للشذوذ وتعاطي المخدرات

- بعضها غير مأمون سلوكيا وأمنيا