تحرص العائلات حول العالم على اختيار المدرسة المناسبة لأبنائها وتضع معايير صارمة لذلك الاختيار، وغالبا ما تعتمد على جودة التعليم في المدرسة، فقد يتحمل الوالدان مشقة بعد المدرسة عن المنزل وازدحام الطرق، وقد تضحي بعض الأسر ببعض أموالها لتسجيل ابنها في مدرسة أهلية مرتفعة التكاليف من أجل تعليم أفضل لأبنائها، ويأمل أن ينعكس التعليم الجيد على مستقبل الطفل ليكون أكثر إشراقا.

غالبا ما تقاس جودة التعليم في المدرسة من وجهة نظر الوالدين وحتى بعض المتخصصين في التحصيل الدراسي والتحصيل الدراسي ببساطة يعني محصلة التعليم لدى المتعلم. ويقاس التعلم في معظم الأوقات بالاختبارات المكتوبة فهي طريقة قديمة جدا، وتظل الاختبارات الطريقة الأكثر قبولا ومصداقية رغم السهام الموجهة لها والمطالبة بتنوع أساليب وطرق قياس التعلم.

هناك عوامل كثيرة مؤثرة في التحصيل الدراسي لدى التلاميذ لا يسع حصرها في هذا المقال، منها ما يتعلق بأسرة التلميذ ومستواه التعليمي، الثقافي، الاجتماعي والاقتصادي، أيضا هناك عوامل متعلقة بالتلميذ نفسه مثل قدرات الطلاب الفكرية والنفسية، كما أن هناك عوامل مؤثرة متعلقة بالمدرسة والموقع الجغرافي. دراسة العوامل المؤثرة في التحصيل الطلابي قديمة جدا، وربما ترجع إلى ثلاثينيات القرن المنصرم فهي موضوع أشبع طرحا. لكن من حرك المياه الراكدة فيما يتعلق بالتحصيل العلمي هو العالم والتربوي النيوزلندي جون هاتي الذي يعد من أهم الأسماء المؤثرة في علم التربية في التاريخ المعاصر.

جون هاتي البروفيسور في جامعة ملبورن الأسترالية حاليا ومدير معهد الدراسات التعليمية التابع للجامعة نفسها يحاول على مدى أكثر من 20 عاما إلى الآن فهم العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي على الطلاب لكن بطريقة مبتكرة وهي من خلال استخدام بيانات الدراسات العلمية المحكمة التي وصل عددها أكثر من 80,000 ورقة علمية درست أكثر من 250 مليون طالب وطالبة في دول عدة، ولا يزال العدد في ازدياد، ثم قام جون بعمل معالجة إحصائية لتقسيمها إلى أكثر من 800 قالب تحليل بعدي بناء على المتغيرات المتشابهة. وهدف النيوزلندي أن تكون العوامل مؤثرة بدرجة كبيرة على التحصيل ثم صنف العوامل من الأكبر تأثيرا إلى أقلها تأثيرا على التحصيل الدراسي. وقد توصل هاتي إلى نتائج أدهشت المهتمين بالميدان التعليمي.

يزعم هاتي في أبحاثه وكتبه التي تحقق مبيعات ضخمة وتتبناها كليات التربية، أن العوامل التي كان يعتقد أنها مؤثرة على التحصيل والمسلم لها أنها تعمل فارقا كبيرا في الجانب الأكاديمي للتلاميذ ليست كذلك، فعلى سبيل المثال وجد جون أن الواجبات المنزلية، الترسيب، التعليم الفردي، ليست عوامل ذات أثر كبير على تحصيل التلاميذ.

يضيف هاتي أن بعض العوامل مكلفة ماليا ويتم تبنيها من متخذي القرار في أنظمة تعليمية متقدمة، لكن أثبتت نتائج الدراسات المعالجة أن تأثيرها لا يستحق إنفاق مبالغ مالية ضخمة عليها، مثل برامج التقوية في فصل الصيف التي تستدعي صرف مرتبات إضافية للمعلمين أو تقليل عدد التلاميذ في الفصل مما يؤدي لضرورة وجود طاقم تدريسي أكبر والتقنيات التعليمية المكلفة أو طريقة ترسيب التلاميذ وإعادة سنة دراسية مما يتبعه كلفة كبيرة على الدولة، لذلك يقترح جون على مسؤولي التعليم مراجعة قرارات إصلاح أنظمة التعليم بناء على نتائج البحث العلمي.

من إيجابيات النتائج التي توصل لها هاتي أن العوامل الأكثر تأثيرا على التحصيل الدراسي للطلاب ليست معقدة وليست ذات تكلفة مالية مرتفعة. فقد وجد أن المعلم هو المؤثر على كثير من العوامل ذات التأثير الكبير على التحصيل العلمي للتلاميذ. كما كانت توقعات التلاميذ لأنفسهم وتقييم قدراتهم ونظرتهم لأنفسهم مهمة جدا على التحصيل الدراسي، لذا ينصح جون المعلمين بأهمية مساعدة التلاميذ في معرفة نقاط القوة وتشجيعهم لتحسين الدافعية.

أيضا العلاقة بين المعلم والطالب مؤثرة جدا على التحصيل الدراسي وكذلك أهمية التغذية الراجعة المستمرة من قبل المعلم للطالب وتشجيعه على المبادرة في بيئة تعليمية آمنة تشجع على التعلم. كثيرة هي العوامل التي لها تأثير كبير على التحصيل الدراسي بحسب هاتي، منها برامج التسريع أي نقل الطالب للمرحلة الأعلى، برامج تحسين مستوى القراءة، النقاشات الصفية، التعليم التعاوني، التوقعات الواضحة من المعلم للطلاب وأهمية الانتباه لمراحل النمو لدى التلاميذ والمعارف والمهارات المناسبة للمرحلة العمرية وأيضا مهارات الدراسة.

لا تستطيع هذه الكلمات وصف أهمية إسهامات جون هاتي في مجال التعليم، لكنها دعوة صادقة لجميع المهتمين بالتعليم على رأسهم أولياء الأمور، والمعلمين المشرفين ومسؤولي التعليم للاطلاع على كتب هذا العالم المؤثر الذي اعتمدت كتبه كمراجع علمية في كليات التربية العريقة على مستوى العالم، وترجمت كتبه إلى لغات كثيرة منها العربية، لكن لم يكن صداها كبيرا في العالم العربي كما كان في مختلف أقطار العالم، فعلى الرغم من الاختلافات الثقافية الكبيرة بين المجتمعات الغربية والعربية لا يمنع تبني وتطبيق بعض نتائج أبحاث هاتي وتقييم فعاليتها في مدارسنا، فجون هدف أن تكون جميع الأرقام والمعلومات واضحة ومرئية وسهلة التطبيق، لذلك سمى أهم كتبه بالتعليم المرئي.