كان سريع الحفظ، حفظ القرآن الكريم في الخامسة من عمره، رغم أنه كفيف البصر، لكن فقدانه للبصر لم يكن عائقا أبداً لقلبه بأن يشعر بالنغم، ولا لأصابعه بأن تضرب على الوتر لاحقاً، لتأتي أواخر الخمسينيات ويأخذ اسم (حيدر فكري) -الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره- في الذيوع بربوع الطائف التي انتقل إليها من مسقط رأسه جدة، وترعرع بين بساتينها وأوديتها.

أوتار السمر

في الطائف كان للفن مكان لنسج قصص الواقع في سطور الكلمات ومعزوفة الأغنيات، لينقل المشهد الشعبي إلى محبي الغناء، كانت الناس

تجتمع حول الأوتار في البساتين وجلسات السمر، يستمعون إلى حكاياتهم وقصصهم في أغنية تناقلتها البلابل بين أغصان المشهد الاجتماعي، كان الفنانون في تلك الفترة يؤمنون إيمانا كاملا بأن الأغنية موجودة في عيون الناس وأصواتهم، في ضحكاتهم وفي دموعهم، لذلك كان الشاعر والفنان يشاركان في الإسهام بنقل هذا المشهد الشعبي إلى الناس.

عفريت

بداية حياته الفنية كان ضابطاً للإيقاع مع فرقة (سالم حيدر). مع اختلاطه بالعازفين والفنانين بدأ تعلم العزف على آلة العود سنة 1961.

بدأ يصدح بصوته مع مطربين في أواخر الستينيات الميلادية وتحديدا في عام 1968 برفقة الفنانين طارق عبدالحكيم وطلال مداح وعبدالله محمد، وغيرهم مِمَن كانوا يرتادون مدينة الطائف للغناء في تلك الحقبة، وقال له طلال مداح: «أنت عفريت وحتلخبط أوراقي» بحكم تشابه صوتيهما يرحمهما الله.

نيران الهجر

سجل أول أغنية للإذاعة السعودية عام 1964، وكانت بعنوان (هدية) وبعدها أغنية (نيران الهجر) التي قال عنها إنها منطلقه الفني.

سافر إلى القاهرة ودرس الموسيقى على (طريقة بريل)، ونال شهادته من يد الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي كان حينها رئيسا للجنة تأهيل الدارسين مع أحمد فؤاد حسن ووجدي الحكيم، وبتلك الشهادة استطاع العمل في قسم الفنون الشعبية.

عذوبة صوت

لحن حيدر فكري لعدد من الفنانين والفنانات في المملكة وخارجها، منهم محمد عبده في أغنية (أنت عنيد تسأل سؤال) ولحّن لعتاب عددا من الأغاني منها (يا عيوني يا حزينة)، و(يعني كيف)، و(يا عيني يا بعد الدنيا) وغيرها ولسوني أحمد نحو 10 أغان منها أغنية بأسلوب (الدويتو) جاء عنوانها (ظالمني ليه). وظل حيدر فناناً قدم العديد من الأغاني التي تبقى خالدة في أذهان ووجدان ذاكرة موسيقى الوطن لأصالة ألحانه وعذوبة صوته وسلاسة أدائه.

لحن بليغ

كانت (بيروت) وجهة الفنانين فاتجه حيدر فكري نحوها وسجل أغنية (سهران في ليل الدجى)، و(ليه الزمن) كما شارك في نشر اللحن السعودي عبر الحناجر العربية إذ لحن أغنية (ظبي شفته) للمطربة هيام يونس، بالإضافة إلى أغنيات أخرى، وللفنانة سلامة وللمنلوجست جاكلين منلوج (القلب بنشر). توطدت علاقته في تلك الفترة بالفنان وديع الصافي، كما بقيت علاقته قوية مع فناني مصر وعلى وجه الخصوص الملحنين بليغ حمدي وسيد مكاوي ومحمد الموجي، إضافة إلى تعرفه خلال وجوده في القاهرة على موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب. ثم التقى ببليغ حمدي عندما كان زائراً للرياض عام 1971، واسمعه حيدر على العود أغنيتي (سافروا وما ودعوني) و(في وداع الله يا مسافر)، عرض عليه بليغ لحن أغنية (آخر ليلة) لكن الظروف حالت دون أن يغنيها، فصدحت بها الفنانة شادية فيما بعد.

عسل على عسل

إثر عودة حيدر فكري إلى وطنه بعد دراسته للموسيقى غنى روائع متتالية قادته لساحة المنافسة مرة أخرى، وقدم أغنيتين من ألحانه حققتا نجاحا كبيرا في تلك الفترة، وهما (أراجع البوسطة) من كلمات ياسين سمكري، و(هدانا الزهر)، كما وصفت أغنية (ودعتني وتقول ترجع بعد عام) للشاعر أحمد الجريفاني بأنها من أقوى الأعمال التي قدمها حيدر فكري في تلك الفترة التي وصفها حيدر بأنها حقبة زمنية كانت (عسل على عسل) قائلا: كنا مجموعة كبيرة، عبارة عن شلة متحابة، رأسها طارق عبدالحكيم، ضمت نخبة من الفنانين الكبار في الغناء والشعر والتمثيل أيضا، فكنا لا نفترق عن لطفي زيني، حسن دردير، عباس أبو شنب «أبو خداش»، طلال مداح، فوزي محسون، غازي علي، عمر كدرس، محمد عبده، وكان التنافس شريفا جدا، وكل من هؤلاء الفنانين لا يخشى في عرض ألحانه على أحد من الزملاء، فعلى سبيل المثال أذكر أن طلال يأخذ الكلمات من هنا واللحن من هناك، فقد كنا عبارة عن مجموعة تحب الطرب والغناء، تهادي الزهر بأحاديثها في كل مساء.

حس إنساني

علاقة حيدر فكري بوديع الصافي ومحمد الموجي لم تكن كغيرها من الصداقات، لم تنقطع جلساتهم مع بعض سواء في جدة أو في بيروت، وذكر وديع الصافي في أكثر من مرة أنه مغرم بصوت حيدر فكري. فيما استمع الموجي إليه وهو يغني في زواج عبدالله طلال مداح، فأعجب بصوته، وإذا بطلال - كعادته- لم يترك هذا الإعجاب يمر دون أن يخبر به حيدر، وقال له حينها: يجب أن تغني من ألحان الموجي فقد أعجب بصوتك، وحين ذهب حيدر إلى الموجي في مصر وجدهُ مريضاً، فقال في نفسه الوقت ليس مناسباً للحديث في الفن، فأخذت الصداقة منحنى آخر مليئاً بالحس الإنساني.

إرث فني

حيدر فكري ضرير البصر واسع البصيرة، قدم الشيء الجميل للأغنية السعودية من خلال مسيرته الفنية، وتوالي الأعمال التي ملأت مكتبة الإذاعة السعودية من الأغاني الرائعة، التي ساهمت بتأسيس سيرة خالدة لا يتوقف الحديث عنها، حافلة بإرث فني لا يقل أهمية عما كان يقدم من باقي مؤسسي الأغنية السعودية في حقبة مرت، تميزت بالمحبة والصدق والإخلاص في تقديم الأغنية لمحبيها ومستمعيها.

حيدر فكري

ولد في جدة عام 1948

نشأ وترعرع في الطائف

درس الموسيقى في القاهرة

توفي في الرياض عام 2006