نتيجة السياسة العدائية لإردوغان وأطماعه الخبيثة التي فتحت شهيته على التدخل بشؤون المنطقة بشكل غير منطقي ولا مبرر، قامت حملة واسعة عبر منصات وسائل التواصل تدعو إلى مقاطعة المنتجات التركية كنوع من الرفض لسياسة الحكومة التركية المعادية.

نجاح هذه الحملة والتفاعل السريع والفعال معها أثبت بشكل كبير حجم قوة الشعب السعودي المستمدة بعد عون الله من قوة قيادته وسياسته، وقوة هذا الوطن وتأثيره حيث امتد صدى تفاعل هذه الحملة إلى دول الأخوة والوفاء والمصير المشترك..

ولكن هل تكفي المقاطعة الفعالة والموجعة للمنتجات التركية لصفعة مؤلمة على وجه اقتصادهم قد تحرك ساكن الشارع التركي الذي سيدفع مواطنوه الثمن حتما، فيتحرك للضغط على رئيسه ليتوقف عن عبثه وطيشه السياسي وجنون أطماعه في منطقتنا..؟

لو فكرنا قليلا لوجدنا المقاطعة للثقافة التركية التي دخلت مجتمعاتنا يجب أن تكون رديفا قويا لمقاطعة منتجاتهم التي تملأ بدائلها الأسواق.

ولكن كيف تكون مقاطعة هذا الثقافة الدخيلة..؟

ملامح الحياة الاجتماعية التركية وثقافتها الدخيلة علينا، بدأت بالمسلسلات والدراما كقوة ناعمة لمعت وجه المجتمع التركي وحجبت عنا سوء داخله، فكانت أنجح دعاية لمنتجاتهم التي أصبح حجمها أكثر كثافة في أسواقنا، وللسياحة في ديارهم التي لم تكن منتشرة إلا على نطاق ضيق، وللاستثمار من خلال شراء العقارات التي أنعشت اقتصادهم انتعاشا جباراً بأموالنا.

قواهم الناعمة لم تؤثر في هذا فقط..بل دست السم في العسل من خلال الدراما التاريخية التي حملت رسائل مستترة خلف ستار الحب والقوة والرومانسية، جعلت الكثير يعجب ويتعاطف ويمجد الدولة العثمانية الملمع لها في تفاصيل الدراما التاريخية التي تعيش معنا أشهرا كثيرة لمواسم طويلة، ولا تنتهي إلا بانطباع ترفع له قبعة الإعجاب دون الانتباه إلى العبودية والذل والانحطاط تجاه النساء والأعراق المختلفة، والاستعباد والإرهاب والقيم الدينية والأخلاقية التي تنحر بسكين شهوة السلطة الذي يظهر جليا بمسلسل كحريم السلطان وغيره.

هذه القوى الناعمة جعلت أسواقنا مكدسة ببضائعهم، رحلاتنا ممتلئة بسائحين متجهين إليهم، مشاريعهم العقارية تنامت من شعوبنا، وبلادنا امتلات بمطاعمهم ومستثمريهم الذين نما بعد الله بخيرنا عليهم فقابلته حكومتهم بالجحود والعداء.

امتداد ثقافاتهم في مجتمعاتنا تعدت ذلك إلى تغيير مسميات حتى الأشياء البسيطة، فأصبح اسم البهارات المشكلة بهارات عثمانية، والقهوة التي تعددت مصادرها إلا من التربة التركية أصبحت تركية، وحسناً أصبحت تمام.. وأغانيهم أصبحت رفيقة الأوقات، وغير ذلك كثير.

حتى تؤتي مقاطعتنا ثمارها، يجب أن نتخلص مما علق بثقافتنا الاجتماعية من شوائب الأتراك وثقافتهم العثمانية العنيفة.

لو تحدثنا عن التاريخ فتاريخنا العربي بشكل عام، والسعودي بشكل خاص يزخر بالبطولات القائمة على أسس متينة من الإنسانية والقيم الأخلاقية الجميلة.

ولو أردنا السياحة فبلادنا أجمل.. وإن تاقت أنفسنا إلى السفر فهناك بلاد تفوق تركيا جمالا وبهاءً.

أما الأطباق والمطاعم وما تشتهيه المعدة، فعالمنا العربي زاخر بالأطباق التي تتفوق على أشهى الموائد التركية.

أما السلع فالبدائل كثيرة جدا.. كل ما علينا أن نلتفت قليلا لنرى جمال السلع البعيدة عن الزاوية التركية.

لدينا ما يستحق أن نفتخر به.. من تاريخ وثقافة وإبداعات في كل المجالات.

لذلك يجب أن نستمتع بكنوزنا الثقافية، ومعادن تاريخنا الثمين بدل أن ننبهر بإكسسوارات ثقافتهم المزيفة، علينا أن نضبط بعض مشاهير مواقع التواصل الذين يروجون للسياحة والبضائع التركية مقابل إعلانات مدفوعة الثمن، علينا أن نستمر على موقفنا دون أن يضعفنا الوقت أو تغرينا عودة الرحلات الدولية، أو يطفئ حماسنا الملل، علينا أن نستمر ما دام رأس فتنتهم ما زال على هرم السلطة.

وعلينا أن نخرج بدرس وقناعة متينة مفادها.. لنفتخر بما لدينا ونعجب به، ونصدر تقديرنا لوطننا وقيادتنا وذواتنا وثقافتنا للعالم.. ونؤمن ونعلم أولادنا أننا لسنا بحاجة لاستيراد ثقافات دخيلة، لأن لدينا مخزونا قيميا وثقافيا نفتخر به، وإن آمنا به، استطعنا بناء المزيد مما سيفتخر به أحفادنا.