ليس من الغريب أو النادر أن ينتكس المتعافي من الإدمان.

هذه مقولة معروفة طبياً، وواردة بالتكرار والمنطق، ولها كثير من الأمثلة، فلا بد من مواصلة تأهيل المدمن، ولا بد من الحرص على تجنيبه المؤديات إلى الانتكاسة على الرغم من أنه يكون قد قطع مشواراً بعيداً في رحلة التعافي والعلاج، ومنها مثلا التشتت الأسري، وعدم الاستقرار، ومصاحبة رفاق السوء، وعدم تقبّل المحيطين القريبين منه لفكرة علاجه، ومنها التعامل معه كمنبوذ لا يجدر الاختلاط به، وكأنه وصمة عار في جبين عائلته.

والانتكاسة هي رجوع المريض إلى مرحلة ما قبل العلاج، وهو ما دفع كثيراً من الجهات المعنية إلى وضع برامج تمنع هذه الانتكاسة، وتعززها ببرامج علاج وتأهيل ورعاية لاحقة.


اختلاف الجنسين

تقول استشارية الطب النفسي، المتخصصة في علاج الإدمان الدكتورة فضيلة العوامي لـ"الوطن" "عند الحديث عن الإدمان يجب العلم أن ثمة اختلافات عدة بين إدمان النساء وإدمان الرجال، ويعود ذلك إلى عوامل عدة تتعلق بالتركيبة الجسدية والبنية المختلفة بين الجنسين، واختلاف الهرمونات، واختلاف التربية، والعامل الاجتماعي، فبينما نلاحظ أن الرجال أكثر إدماناً من النساء، إلا أن النساء أشد عرضة للانتكاسة بعد التعافي والإدمان بعد التعاطي، وهناك عوامل تجعل من المرأة أكثر قابلية من الرجل في التحول من متعاطي إلى مدمن متورط".

مواد متعددة

تستخدم النساء مواد مخدرة متعددة، ولا يقتصرن على مادة بعينها، لكن الدكتورة العوامي توضح أن ملاحظتها هذه قائمة على تجربة شخصية، وليس استنادا إلى إحصائيات رسمية، وتضيف "من خلال خبرتي في العمل مع مريضاتي، والقائمة على ملاحظاتي وأسئلتي التي أوجهها لهن، وليس عن إحصائيات وأرقام فإنه من بين جميع مريضاتي هناك عدد قليل جدا ممن استخدمن مادة مخدرة واحدة فقط".

وتكمل "غالبية المدمنات يتعاطين مواد متعددة، ومن النادر أن تصادف فتاة لم تجرب كل شيء، فإدمان مادة يعزز قابلية الشخص على إدمان المواد الأخرى، وإدمان مادة معينة شكل بوابة العبور إلى باقي المخدرات".

وأشارت إلى أن أبرز المواد المخدرة التي تتعاطاها النساء هي: الحشيش، الكحول، لاريكا. المهدئات: الكبتاجون، الشبو، الترامادول، الكوكايين، وقليل منهن يتعاطين الهيرويين.


فريسات الخداع

تبين العوامي أن خداع واستدراج المدمنات على المخدرات سهل للغاية، خصوصاً مع توافر عوامل تيسر ذلك مثل وجود اضطرابات الشخصية لدى المدمنات قبل ظهور مشكلة الإدمان، كاضطراب الشخصية الحدية والشخصية المضادة للمجتمع والأمراض النفسية والعقد النفسية والتمرد والعقوق، وهي المشاكل الأساسية قبل مشكلة الإدمان، وبالتالي فإن الفتيات اللواتي يعانين من هذه المشاكل أكثر عرضة للإدمان والوقع فرائس سهلة للمخدرات وللمروجين.

وتضيف "كما لا يمكن كذلك إهمال التأثير السلبي للتفكك الأسري والقسوة والعنف على النساء، وكذلك الضغوط الاجتماعية ومشاكل الحياة التي تعاني منها الفتيات، التي تجعل منهن عرضة للإدمان، وتُسهل من قابلية الفتاة للبحث عمن يحتويها ويحن عليها، وهنا قد تقع في براثن مدمن أو مروج يجرها معه بعد مسلسل الحب والحنان إلى عالم المخدرات".

ولا تهمل الدكتور العوامي الإشارة كذلك إلى عوامل مهمة مؤثرة في إدمان الفتيات، أو حتى عودتهن بعد التعافي، وتقول "انعدام الرقابة على الأبناء والدلال الزائد وتوفير المال لهم فوق ما يحتاجون يجعلهم مطمعا لرفاق السوء، فكثير من المراهقات يُخدعن برفيقات السوء والصحبة السيئة وطريقة حياتهن، حيث تنظر بعض الفتيات المراهقات لرفيقات السوء بأنهن يعشن حياة جميلة فهن متحررات، وحياتهن خالية من سيطرة أي أحد عليهن، ويصبح ذلك النمط من الحياة حلما يتمنين العيش فيه، خصوصاً إذا ما كانت الفتاة تعاني من سيطرة شديدة للأهل على سلوكياتها وتحركاتها، بدون أن يكون هناك أي محاولة من الأهل للتقارب معها واحتوائها، وتوفير البديل لها، فترى الفتاة نفسها سجينة، وفجأة تظهر لها صديقة من العدم، أو من مواقع التواصل الاجتماعي، لتزين لها الحياة خارج منزلها، وقد تنزلق في علاقتها معها إلى التعاطي والإدمان".


سلوكيات ترجح إدمان الفتيات

عددّت الدكتورة العوامي بعض السلوكيات التي يمكن ترجيح إدمان الفتاة معها، أو حتى استعدادها لهذا الإدمان، ومنها العلاقات مع مدمنين أو مدمنات، ورفقاء السوء وسيئي السمعة، أو الأشخاص المشبوهين، أو انغماسها في مكالمات هاتفية مشبوهة، وانحدار المستوى الدراسي، والغياب المتكرر عن المدرسة، والخروج المتكرر من البيت دون إذن، والمبيت خارج المنزل أو العودة في وقت متأخر، وعصيان الأهل والعقوق، والرغبة في ترك منزل الأسرة دون مبرر، ودون قدرة مالية على الاستقلال، وتغير السلوك، وتغير شخصية الفتاة كأن تصبح عصبية المزاج، والتكسير، والنوم الكثير أو السهر الكثير، والمشاكل المالية من حيث طلب مصروف أكثر من المعتاد، وبيع المقتنيات الشخصية كالذهب والأجهزة الإلكترونية، إضافة إلى الكذب المتكرر، والسرقة، والعزلة والابتعاد عن الأهل، وعدم الالتزام بالواجبات الأسرية والمنزلية».

معوقات علاج المدمنات

تلعب النظرة الاجتماعية للمدمنة دورا سلبيا يعيق علاجها، وتقول الدكتورة العوامي «من أهم ما يعيق علاج النساء من الإدمان، الجهل بطبيعة الإدمان كمرض، والنظر إليه كانحراف أكثر من كونه مرضا، والخشية من الفضيحة، والنظرة الاجتماعية لسمعة الفتاة عندما تتابع أو تنوّم في مستشفى علاج الإدمان، خاصة إذا كان هناك من حولها من الناس من يفتقد إلى وجودها خلال فترة العلاج والتنويم».

أسباب متباينة

يكشف الأخصائي الاجتماعي في علاج الإدمان والتأهيل عواض العتيبي عن فروق عدة بين أسباب التعاطي لدى الشباب عنها لدى الفتيات، ويرى أن من الأسباب التي تدفع النساء للتعاطي والإدمان التداوي الذاتي، وتعاطي الزوج لأحد أنواع المخدرات، والعامل الجسدي، والعامل النفسي، إضافة إلى العامل الاجتماعي.

ويوضح «بعض النساء يلجأن إلى الاعتماد على المهدئات ومضادات الاكتئاب دون استشارة الطبيب، وبعض هذه الأدوية قد تكون مخدرة، وهو ما يجعلهن يدمّن عليها، وقد يؤدي تعاطي الزوج لأحد أنواع المخدرات إلى تجربة الزوجة لنفس الأنواع لمجاراته فيما يقوم به، كما أنه يوجد في المخ مركز مكافأة يكون على استعداد للإدمان لإفراز مادة الدوبامين التي تسبب السعادة، ولا يقصد هنا إدمان المخدرات بكل أنواعها، ولكن يمكن أن يكون الشخص مدمنا للقهوة أو الشوكولاته أو الأكل، وقد يحيط بالفتاة في طفولتها شخص ما يتناول أي نوع من المخدرات داخل الأسرة أو العائلة أو صديق لأخيها وهو ما يشجعها على التجربة وحب الاستطلاع».

6 ملايين متعاطية

في إحصاء صدر عن الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات سنة 2016، بلغ أعداد النساء المدمنات على الصعيد العالمي 6.3 ملايين بالنسبة لــ»الأمفيتامينات» (عقاقير مخدرة)، و4.7 ملايين للمؤثرات الأفيونية، و2.1 مليون للكوكايين.

وبلغ عدد المتعاطيات بالحقن 3.8 ملايين امرأة، وهو ما يمثل نسبة 0.11% من عدد الإناث في العالم.

وفي عام 2017 وحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تعاطى 11 مليون شخص في العالم المخدرات بالحقن، 1.4 مليون منهم مصابون بالإيدز، و5.6 ملايين مصابون بالتهاب الكبد سي.

وبحسب التقرير نفسه، تعاطى المخدرات عام 2016 نحو 271 مليون شخص، أو 5.5% من سكان العالم الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاما، وهي نتائج مشابهة لنتائج العام الذي سبقه، ولكن في سياق أوسع، فهذه الأرقام أعلى بنسبة 30% عن مستويات عام 2009. إلا أن التقرير عزا هذه الزيادة جزئيا إلى نمو سكان العالم بنسبة 10% في هذه الفئة العمرية.

ومقارنة بعام 2009، تشير البيانات الحديثة إلى ارتفاع معدل تعاطي المواد الأفيونية في إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وتعاطي القنب ومشتقاته في الأمريكتين وآسيا.

وفي عام 2019 قدر مكتب الأمم المتحدة أن نحو 35 مليون شخص حول العالم يعانون من اضطرابات متصلة بتعاطي المخدرات ويحتاجون إلى خدمات العلاج.

تصنيع قياسي

أوضح تقرير مكتب الأمم المتحدة أن تصنيع الكوكايين غير المشروع بلغ أعلى مستوياته على الإطلاق عالميا عام 2017 ليصل إلى نحو ألفي طن، بزيادة 25% عن العام السابق. وفي نفس الفترة، ارتفعت كمية الكوكايين المُصادرة عالميا بنسبة 13% لتصل إلى 1.275 طن، وهي أكبر كمية على الإطلاق.

وقفزت كمية الترامادول التي صودرت من أقل من 10 كيلوغرامات عام 2010 إلى ما يقرب من 9 أطنان عام 2013، وفي عام 2017 بلغت رقما قياسيا، 125 طنا.

أما القنّب فلا يزال أكثر العقاقير المستخدمة على نطاق واسع على مستوى العالم، حيث قـُدر عدد الأشخاص الذين يتعاطونه بنحو 188 مليون شخص عام 2017.

إدمان الفتيات في الدول العربية

سجلت نسبة الفتيات المتعاطيات أرقاما مزعجة على المستوى العربي، فبلغت نسبتهن في مصر نحو 27% من إجمالي المتعاطين، حسب تصريحات لوزارة التضامن الاجتماعية، أغلبهن تراوحت أعمارهن بين 15 و25 سنة، وذلك عام 2016، فيما وصلت نسبتهن في تونس إلى 30%، وفي الأردن إلى 10%.

حسب إحدى الدراسات التي أشارت إليها جمعية معهد تضامن النساء الأردني والتي يطلق عليها «تضامن».

وفي تقرير مكتب الأمم المتحدة عام 2016، إشارة إلى أن قرابة الـ1000 شخص في المملكة تعاطوا المخدرات عن طريق الحقن، وأن نحو 5200 حالة تم تسجيلها في غرف الطوارئ نتيجة لتعاطيهم المخدرات بشكل مبالغ فيه.

تحسب سعودي

إدراكا لمخاطر الانتكاسة بعد التعافي، اعتمد في المملكة برنامج الدعم الذاتي وذلك منذ عام 1995، وهو يعني بمتابعة ورعاية التائبين من الإدمان، وبعد نجاحه في تحقيق الأهداف المتوقعة توقف عدد كبير من الشباب ممن وقعوا في الإدمان.

وتبنت اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات برنامجاً خاصاًـ يعد الأول من نوعه في العالم العربي ـ يهدف إلى رعاية ومتابعة المتعافين من إدمان المخدرات بعد فترة من انتهاء علاجهم الطبي داخل المستشفيات، وسمي هذا البرنامج «الرعاية اللاحقة»، وهو يعد الجزء الأساس المكمل للعلاج، والوسيلة العملية لتوجيه المتعافي وإرشاده ومساعدته على سد احتياجاته ومعاونته على الاستقرار في حياته والاندماج والتكيف والتوافق مع المجتمع، وهو امتداد للعلاج إلا أنه يتم في البيئة الطبيعية.

وتولت اللجنة احتضان المرضى وتوظيفهم ورعايتهم منذ 1995، وكانت بداية البرنامج قيام اللجنة الوطنية بابتعاث ثلاثة من التائبين للولايات المتحدة تلقوا دراستهم في مجال العلاج والإرشاد ضد الإدمان، وطبق البرنامج بما يتفق مع الشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد، بإشراف لجنة مختصة، وبعد المتابعة تبينت نتائجه الإيجابية، مما شجع على التوسع وتطبيقه عام 1998.

- 271 مليون متعاط في عام 2016

- 5.5 % من سكان العالم بين 15 و64 عاما متعاطون

- 35 مليون شخص يعانون اضطرابات متصلة بالتعاطي عام 2019

- 27 % من المتعاطين في مصر فتيات

- 30 % من المتعاطين في تونس نساء

- 10 % من المتعاطين في الأردن إناث


عوامل تقود لإدمان النساء

التداوي الذاتي

تعاطي الزوج لأحد أنواع المخدرات

اضطرابات الشخصية

الأمراض النفسية

العقد النفسية

التمرد

العقوق

التفكك الأسري

القسوة

العنف

الضغوط الاجتماعية

انعدام الرقابة

الدلال الزائد

الرفقة السيئة


مواد مخدرة تتعاطاها النساء

حشيش

كحول

لاريكا

مهدئات

كبتاجون

شبو

ترامادول

كوكايين

هيرويين