حب الوطن هو إحساس لا إرادي يربطنا بهذه الأرض، مهما بعدت المسافات ومهما كانت المشاغل. هو شعور ينمو مع الفطرة ويكبر يوما بعد يوم، ومع تقدم العمر يزيد الولاء والحب والانتماء. كيف لا وكل شبر من تلك الأرض هي أمنيات وأحباب وأصحاب وذكريات حفظناها وورثناها من الآباء والأجداد. تلك الأرض التي على ترابها كانت براءة وشقاوة الطفولة، ونحو سمائها كانت حدود أحلامنا وآمالنا. ومع الأيام ازداد الحب لهذه الأرض لشعورنا بالاستقرار والأمان، فكنا نراها الملجأ الآمن لا سيما عندما نشاهد ما يحصل في بلدان الجوار، ونسمع تلك القصص المؤلمة لمن تهاون في نعمة الوطن.

في المراحل الأولى لجيلنا كنا نعشق هذا الوطن ونحبه، ولكن تلك المشاعر كان محرما إظهارها أو الحديث عنها. فالعيد الوطني حرام بمنظور البعض وأمر منهي عنه، فعشنا زمناً لا نعرف عن هذا اليوم سوى أنه رقم في كتب التاريخ، وحقيقة أمور أخرى كانت تمنع إظهار حب الأوطان، تحت مسميات أخرى كالقومية والوطن الكبير والأمة واسترجاع الإرث الكبير. مرت عقود لا نستطيع فيها الاحتفال بعيد الوطن، فقد تمت تنشئة عقولنا على الحلال والحرام، وكان عيد الوطن أحد المحرمات!!. كان ذلك الحب مختزلا في اجتهاد كل شخص للتعلم ونيل الدرجات ليكون فردا صالحا يخدم مجتمعه ووطنه، وكنا عندما نسمع الأقاويل والإشاعات التي تمس الوطن أو تقدح فيه، لا نستطيع أن ننافح أو ندافع، فعقلنا الباطني قد تشبع بفكرة أن هذا دور الدولة ولا دور لنا.

علمنا رسول الله عليه الصلاة والسلام كيف يكون حب الوطن في حديثه عن مكة المكرمة التي امتلأت بأعدائه (ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك)، ولا أدري كيف لم يتم تدريس هذا الحديث لنا في مراحل الدراسة المبكرة، بل كان هناك إصرار على استبعاد كل معاني الانتماء والارتباط بالوطن.

في المرحلة الثانية من العمر شاهدنا جيلاً يتم تعليمه الوطنية من خلال منهج دراسي (التربية الوطنية)، وتناسى من وضع ذلك المنهج أن الوطنية لا تدرس، ولكنها أحد الأمور التي نرضعها مع حليب الأم، ونتوارثها من الآباء والأجداد، وتزداد تلك الوطنية يوماً بعد يوم مع قصص التضحيات في سبيل الوطن التي سطرها وتسطرها أجيال متعاقبة. ومع كل قصة تروى، تزداد تلك العلاقة بين المواطن ووطنه.

أما المرحلة الثالثة والتي نعيشها منذ سنوات فقد أزالت كل الحواجز التي كانت تعيق إظهار حب الوطن والاحتفال به، ومكنت المواطنين من أن يظهروا مشاعرهم وأحاسيسهم في الدفاع عن تلك الحملات المشبوهة التي تزداد يوماً بعد يوم، وتهدف إلى التشكيك في مقدرات هذا الوطن، وفي محاولة زعزعة ثقة المواطن بقيادته ووطنه، ففشلت كل المحاولات، ولم ينجرف معها سوى عدد ضئيل من العملاء الذين لم يكونوا يوماً مواطنين أوفياء، وكان تأثير الطائفية والولاية والإخوان أكبر عندهم من الوطن بكل معانيه. بدأت حملات شعبية وتلقائية من المواطنين للذود عن وطنهم، والرد على أعدائهم وتفنيد أقاويلهم وإشاعاتهم، وستكون هذه الحملات سلاحاً فعالاً لمواجهة تلك الأطماع والأحلام باسترداد الخلافة.