قضاء حوائج الناس عمل نبيل.. فإن الله سبحانه يكرمنا بتمكيننا من مساعدة الغير.. فلا خير نعمله يفنى غير مردود من عند الله.. وفي الحقيقة لا توجد علاقة مجردة من المصلحة نهائيا.. والمصالح لا تعني الماديات فقط.. فالاهتمام مصلحة.. الحب مصلحة.. المشاعر الجميلة مصلحة.. وأغلب العلاقات قائمة على مصالح مشتركة.. ولا ضرر في ذلك.

لكن فعل الخير منتظرا شيئا في المقابل يهدم الغاية السامية من العطاء ولا يأتي للإنسان بجميل.. أولا لأنها سياسة فاشلة لن تكسبك في الدنيا ولا في الآخرة.. ثانيا لأن ليس جميع البشر يشعرون بضرورة فعل الخير مع من يقدمه لهم.. فالدنيا قائمة على أجناس مختلفة من الناس بمبادئ مختلفة.. فكم من خير فعلناه يأتينا بالمستقبل على شكل صدمات كافلة أن تشككنا بمبدأ الإحسان من الأساس!

وفي تلك المواقف يجب أن نقوّي إيماننا ونعلم أن المردود من عند الله عز وجل.. وأن تلك الصدمات اختبار لمدى حبنا الحقيقي للخير وفعله.. واختبار لنياتنا التي يجب أن تكون خالصة للرب..

على العموم.. شكل من أشكال تلك الصدمات التي لم تعد تصدمني شخصيا.. هو من نطلق عليه اسم (المصلحجي) بالعامية.. هذا الصنف من البشر مرهق ويخرجون مسألة طلب المساعدة إلى مستوى آخر.. ولا تفهموني خطأ.. أن يسعى المرء لقضاء حاجته شيء جميل.. لكن أن يتوقف ولاء الشخص على مصالحه فهذا أمر بشع وهنا ينطلق عليه اسم المصلحجي.. للأسف هذا النوع من البشر لا يمت للحياء بصلة.. والحياء خصلة من خصل الدين وبدوره يضيف جمالا للإنسان.. يضيف نوعا من الرقي النادر في زمننا هذا لمن يحمله.. ومن تجرَّد من الحياء فسلام عليه.

(ذلك النوع) المتجرّد من الحياء لا يرى الخير والشر.. لا يرى النور والظلام.. لا يرى الأذية والمساعدة... لا يرى سوى نفسه ومصلحته التي يجب أن تنقضي... سيرفع من يساعده على قضائها إلى السماء... وينسف بمن قضى مصلحته السابقة الأرض.. فلا فائدة منه الآن.. فقد كانت (مصلحة) وانقضت.

والغريب أنهم يعتقدون أن تلوّن وجوههم هذا غير ملحوظ... وأن طبعهم غير مكشوف.. ويعتقدون أنهم بارعون في استغفال الجميع حتى تُقضى حوائجهم.

ولكنهم في الواقع يطبقون مقولة (يصعد البجح على عاتق المستحي) ولو أن البجح ذلك ذا دم خفيف أو لسان جميل لربما حملناه مبتسمين.. لكنه في الأغلب بجحٌ سليط يتحدث أحيانا وكأن قضاء حوائجه غدا واجب عليك.. هذا إن لم يستخدم خيرك ضدك كسلاح في المستقبل.

والأدهى والأمر أنهم لا يعلمون أن حياءك إلّا مردود منهم.. هو مبدؤك.. وليس قبولك لهم.. فهم في غفلة من أمرهم المكشوف وهم في غفلة بأن كل ما تفعله لهم هو خالص لوجه الله.. وليس لوجوههم التي لم تعد ترتجي منها شيئا طيبا.

في الحقيقة الحياء ممن لا حياء عنده جرم بحق نفسك.. فلكل من مازال يستحي من هذا النوع من البشر.. إنّ تجرّدك من حيائك تجاههم إذا لزم الأمر ليس ذنبا أو خطأ.. افعل ما تريد فعله لهم لوجه الله.. لكنك لست ملزما بهم.. اعتبرهم أيضا (فعلٌ لوجه الله) وانتهى.. لا داعي للمجاملة الزائدة التي تجعلك طعما سهلا للترفيه عنهم.

قضاء حوائج الناس مهما كانوا فعل راق وجميل.. والأجمل من ذلك إن كنت تقدمه إلى من هو مرهف بالإحساس وراق بالمشاعر أيضا.

وفي نهاية الأمر أؤمن كل الإيمان أن الناس للناس.. وأؤمن أيضا أنه يجب ألا ننسى أن للجميع إحساس.

فمن ساعدك وقام على قضاء حوائجك فمن المفترض أن مكانه على الرأس..

قال الرسول صلى الله عليه وسلم (من لا يشكر الناس لا يشكر الله..)